فنزويلا.. كيف تحولت من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء؟

  • 5/13/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا يزال المواطنون في فنزويلا يعانون في ظل اقتصاد معطل، مُتحملين وطأة دوامة اجتماعية اقتصادية مميتة لا تستطيع الحكومة السيطرة عليها؛ فهناك مواطنون يلتقطون الطعام من أكياس القمامة المهملة، وأم تنعي وفاة طفلها الرضيع؛ بسبب سوء التغذية والملاريا، وصبي يستخدم العملة الورقية لنسج محفظة مؤقتة، ذلك هو الموقف الراهن في فنزويلا، البلد الواقع في أمريكا الجنوبية، صاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم، والسبب الرئيس في ذلك هو تفاقم معدلات التضخم التي جعلت النقود لا قيمة لها محلياً ودولياً. وترك التضخم، المتوقع وصوله إلى عشرة ملايين في المئة خلال العام الجاري، فنزويلا مثقلة بلقب أكثر اقتصادات العالم بؤسًا، ووفقًا لتقارير بلومبرج؛ تصدرت فنزويلا تصنيف مؤشر البؤس، والذي يلخص توقعات التضخم والبطالة في 62 اقتصادًا، للعام الخامس على التوالي. التحول من الغنى إلى الفقر تتمتع فنزويلا بأكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم، ويرتبط اقتصادها إلى حد كبير بثروتها النفطية، وتلك الثروة النفطية جعلتها واحدة من أغنى دول أمريكا اللاتينية وساعدت في استقرار ديمقراطيتها، على الرغم من أن عدم تقاسم الثروات على قدم المساواة، لكن السنوات القليلة الماضية شهدت اتجاه الاقتصاد نحو الانهيار. وبدءاً من عام 2014، بدأت الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية تعاني من انهيار كبير، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا أكثر من انخفاضه في الولايات المتحدة خلال فترة الكساد الكبير، وفي الوقت نفسه، واجه النظام السياسي في فنزويلا اضطرابات متصاعدة؛ حيث واجه الرئيس نيكولاس مادورو، الذي أُعيد انتخابه عام 2018، احتجاجات حاشدة في الشوارع. ولا يزال الضغط مستمرًا على مادورو، بعد أن اعترفت عشرات الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا ومعظم أوروبا، رسميًا برئيس البرلمان، خوان جوايدو كرئيس لفنزويلا، وفرض الكثير منها عقوبات من شأنها أن تعيق حركة صادرات النفط التي تعتمد عليها البلاد. وتعمقت أزمة كراكاس بسبب العقوبات الأمريكية ضد صناعة النفط الفنزويلية، وفي مارس الماضي، فرضت أمريكا عقوبات على صناعة تعدين الذهب هناك، وتبعتها في أبريل بفرض عقوبات على البنك المركزي، وقطعت سبيل وصول تلك المؤسسة إلى العملة الأمريكية وحدّت من قدرتها على إجراء معاملات دولية، وذلك لممارسة المزيد من الضغوط على نظام مادورو. ومن غير المتوقع أن تلوح نهاية في الأفق للأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتصاعدة؛ فالتضخم يسير بمعدل سيء، وبعد أن بلغ في العام الماضي نحو 80 ألف%، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل خلال العام الجاري إلى عشرة ملايين%. ووفقًا للأمم المتحدة، يعيش تسعة من بين كل عشرة فنزويليين في فقر، وهناك صعوبة في تخيل كيف يمكن أن تزداد الأزمة سوءًا، لكن هذا يبدو مرجحًا إذا بقي مادورو في الحكم بالرغم من كل تلك الانتفاضات. العقوبات الأمريكية ونفذت واشنطن عدة جولات من العقوبات الصارمة ضد كاراكاس، مستهدفة قطاعاتها المصرفية والنفطية، وكذلك الشركات الأجنبية والأفراد والأصول الحكومية في البلدان بالخارج. وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية، بنهاية أبريل الماضي، شركتين وسفينتين إلى قائمة العقوبات ضد فنزويلا، وتستهدف القيود شركة Monsoon Navigation Corporation، وهي شركة مسجلة في جزر مارشال، وكذلك شركة Serenity Maritime Limited، وهي شركة مسجلة في ليبيريا. كما يستهدفون ليون دياس وأوشن إليجانس، وهما ناقلتان نفطيتان تحملان أعلام بنما. وفي عام 2018، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تداول سندات PdVSA في السوق الثانوية. ثم في عام 2019، طلبت الولايات المتحدة من مستوردي النفط الخام من PdVSA مثل شيفرون تخفيض مشترياتها، مطالبة PdVSA بالاحتفاظ بإيصالاتها النقدية من مبيعات الولايات المتحدة في حسابها البنكي بالولايات المتحدة وعدم إعادتها إلى فنزويلا. ووفقًا لفرناندو فيريرا، محلل الأبحاث في سوق الطاقة والسياسة والاستشارات الجيوسياسية Rapidan Energy Group، فإن العقوبات تمنع شركة النفط الفنزويلية من استخدام النظام المالي الأمريكي، مما يعني أنه لا يمكن دفعها بالدولار، أو استخدام البنوك الأمريكية. وفي الأسبوع الماضي، بدأ الحظر الإجمالي على شحنات النفط الخام PdVSA إلى الولايات المتحدة، وكانت تلك القيود هي الأحدث في سلسلة واسعة من الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب منذ عام 2017 للضغط على الحكومة الفنزويلية. وفي أبريل الماضي، قال مقرر الأمم المتحدة السابق لفنزويلا، ألفريد دي زايس، لسبوتنيك، إن «الحرب الاقتصادية» الأمريكية ضد فنزويلا تعود إلى عام 1999 ومحاولة الانقلاب ضد الرئيس هوجو شافيز، و«التدابير الوحشية لخنق الاقتصاد الفنزويلي القائمة منذ عام 2015» ووفقًا لدراسة قام بها الاقتصاديان مارك ويسبروت، وجيفري ساكس، نُشرت في أبريل الماضي من قبل مركز البحوث الاقتصادية والسياسية (CEPR)، فإن العقوبات الأمريكية، بعد أن قلصت من توافر الغذاء والدواء وغيرها من ضرورات الحياة، تسببت حتى الآن في وفاة ما يقدر بنحو 40 ألف شخص، مع توقعات بارتفاع الأعداد لأكثر من ذلك بكثير. ويقول التقرير، إن هذه الوفيات حدثت في أعقاب فرض العقوبات في صيف عام 2017، مُشيراً إلى أن الوضع ربما ازداد سوءًا منذ فرض عقوبات أشد في وقت سابق من العام الجاري على صناعة النفط الحيوية في فنزويلا، كجزء من جهود إدارة ترامب للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو. انهيار الصناعة النفطية وانخفضت صادرات النفط الفنزويلية، التي تمثل أكثر من 95% من إيرادات صادرات البلاد، بنحو 40% منذ يناير الماضي، وفي الوقت نفسه، لم تتمكن الدولة من استيراد كل الوقود الذي تحتاجه لمزجها مع الخام الثقيل الذي تُنتجه، وكذلك لاستخدامه في الاستهلاك المحلي. وتراوح إنتاج فنزويلا من النفط الخام بين 732 و960 ألف برميل يوميًا في شهر مارس الماضي، وفقًا للأرقام الواردة في تقريرها الذاتي والمصادر الثانوية التي نقلتها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في تقريرها عن سوق النفط لشهر أبريل الماضي، وذلك بالمقارنة مع إنتاج ثلاثة ملايين برميل يوميًا في السابق. وانهارت واردات الولايات المتحدة من الخام الفنزويلي إلى الصفر في أعقاب العقوبات، كذلك تم تقييد إمدادات النفط الخام الثقيلة من نوع مضخات فنزويلا في جميع أنحاء العالم. وليست صناعة النفط وحدها التي تعاني من الاضطرابات السياسية في فنزويلا، فبعد وقت قصير من تطبيق العقوبات، قال موقع مراقبة السفن TankerTrackers.com إن حوالي 12 ناقلة نفط تُركت تطفو دون أي مكان تذهب إليها وهي في طريقها لتسليم الخام إلى ساحل الخليج الأمريكي، في حين اضطرت سفن أخرى إلى إعادة التوجيه أو الخروج عن المسار، تاركة أصحابها يواجهون نفقات غير متوقعة وبدائل قليلة عن PDVSA. التضخم المفرط وبالرغم من تأثير العقوبات الأمريكية على اقتصاد فنزويلا، يرى البعض أنها ليست السبب الوحيد في انهيار الاقتصاد، مُستدلين بذلك على أن العقوبات الاقتصادية الأسوأ ضد روسيا لم تؤد إلى إلحاق الضرر بتلك الدولة بنفس القدر من السوء الذل لحق بفنزويلا. وتخوض فنزويلا معركة كبيرة في محاربة التضخم المرتفع إلى جانب معدلات البطالة العالية. ولعل الأكثر تأثيراً في الأزمة الفنزويلية هي مشاهد الأسر التي دمرها الفقر والموت؛ حيث ارتفع معدل وفيات الأطفال في فنزويلا بنسبة 140%، مقارنة بمستويات عام 2008. كذلك فر ملايين المواطنين من فنزويلا بسبب الاضطرابات ونقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية والظروف الاقتصادية التي لا يمكن تحملها، في الوقت نفسه يستمر التضخم في فنزويلا في الارتفاع، دون رقابة مع استمرار الاضطرابات السياسية في البلاد. وتُقدر الجمعية الوطنية التي تقودها المعارضة التضخم في فنزويلا بنسبة 1.7 مليون%، في حين يتوقع صندوق النقد تحقيق رقم أعلى من ذلك بكثير، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم في فنزويلا إلى عشرة ملايين في المئة في عام 2019، ليصبح واحداً من أسوأ حالات التضخم المفرط في التاريخ الحديث. وتقدر الأمم المتحدة أن 90٪ من الفنزويليين يعيشون في فقر، ويقول خبراء إن سوء إدارة الحكومة والفساد هما مصدر الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ في حين يقاوم مادورو العقوبات الأمريكية. ويبدو أن الأزمة السياسية التي اجتاحت فنزويلا لعدة أشهر قد وصلت إلى ذروتها، خلال الأسبوع الماضي، حيث أصدر سياسيو المعارضة تحدياً مباشراً لسلطة الرئيس نيكولاس مادورو، ودعا زعيم المعارضة، خوان جايدو، إلى انتفاضة عسكرية وشعبية لطرد مادورو من منصبه، مما أدى إلى احتجاجات تحولت إلى درجة العنف.

مشاركة :