جدّدت الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي في العراق تأكيد عدم نيّتها الانسحاب من المناطق السنية التي كانت قد شاركت في معارك استعادتها من تنظيم داعش، متشبّثة بلعب دور أمني في تلك المناطق في مرحلة ما بعد التنظيم، رغم مطالبة سكّانها برحيل الميليشيات وتسليم الملف الأمني للقوات النظامية من جيش وشرطة اتحادية ومحلّية. وقال علي الحسيني، القيادي في الحشد إنّ “كل من يطالب بإخراج الحشد الشعبي من المناطق المحررة، سواء كانوا من العشائر أو من السياسيين، هم مجرد مدفوعين بأجندات سياسية خارجية”. وكان الحسيني يردّ بذلك على بيان أصدرته عشائر عربية إثر اجتماع لها عقدته في أربيل مركز إقليم كردستان العراق وطالبت فيه قوات الحشد بالرحيل عن مناطقها، محذّرة من التبعات الخطرة التي ستترتّب على صراع يمكن للميليشيات أن تفجّره مع القوات الأميركية. ويثير حضور الميليشيات الشيعية في المناطق السنية بالعراق حساسية لدى الأهالي نظرا للطبيعة الطائفية لتلك الميليشيات، ونظرا أيضا لما تثيره من مخاوف لديهم بفعل تعدّياتها عليهم وعلى ممتلكاتهم. وكثيرا ما يُنظر إلى ذلك الحضور باعتباره عامل استدامة للتوتّر وتأخير تطبيع الأوضاع في المناطق العراقية التي شهدت حربا ضروسا ضدّ تنظيم داعش خلّفت فيها دمارا كبيرا واضطرّت الملايين من سكانها إلى النزوح عنها، ومازال الكثير من هؤلاء النازحين يرفضون العودة إلى مناطقهم لأسباب اقتصادية وأمنية يتعلّق بعضها بحضور الميليشيات فيها. وتتجاوز أهداف بقاء الميليشيات الشيعية في المناطق السنية العراقية حسابات قادة تلك الميليشيات ومصالحهم إلى حسابات إقليمية، إذ كثيرا ما ينظر إلى أغلب الميليشيات المشكّلة للحشد باعتبارها قوّة احتلال إيرانية لمناطق بشمال وغرب العراق لم يكن بوسع إيران الوصول إليها في السابق، بينما أتاحت الحرب على داعش لطهران السيطرة عليها بالوكالة، واستخدامها في حرب النفوذ التي تخوضها بشكل رئيسي مع الولايات المتحدة.ومع تصاعد التوتّر بين إيران وواشنطن بفعل تشديد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعقوباتها على إيران، بات العراقيون يخشون استخدام أراضي بلدهم لاسيما مناطق غرب وشمال العراق منصّة لاستهداف المصالح والقوات الأميركية الأمر الذي سيجعل سكان تلك المناطق يدفعون ثمن صراع مدمّر جديد. واعتبر الحسيني أنّ الهدف من دعوات إخراج الحشد من المناطق السنيّة هو “مغازلة القوات الأميركية المتواجدة في تلك المناطق”. كما اتّهم الداعين لذلك بأنّ “لديهم مشروعا سياسيا يسعون إلى تنفيذه وفق أجندات وتوجيهات خارجية”. ويلوّح قادة الحشد الشعبي في وجه سكّان المناطق السنيّة بالفضل في استعادتها من تنظيم داعش الذي لم يكن ممكنا حسب رأيهم من دون مشاركة الحشد في الحرب وأيضا من دون مساعدة إيران. وتساءل الحسيني “من حرّر هذه المناطق من تنظيم داعش الإرهابي، حتى يطالبوا الآن بإخراج الحشد.. فهل القوات الأميركية هي من حرّرتهم؟”. وكانت زعامات عشائرية عراقية قد طالبت إثر اجتماعها في أربيل بانسحاب فصائل الحشد الشعبي من معسكراته داخل المدن والقرى. وقالت في بيان إنّ مناطقها لم تستقر أمنيا منذ عام 2003 حتى الآن، وأنّها تتخوف من تداعيات حرب قد تفرض بسبب تهديدات الحشد الشعبي للمصالح الأميركية. وجرى الأسبوع الماضي الحديث عن سحب قوات تابعة للحشد من منطقة بغرب الموصل مركز محافظة نينوى، لكن سرعان ما تبيّن أنّ الأمر لا يتعدّى كونه عملية إعادة انتشار، بحسب قيادة الحشد نفسه، حيث قال نائب قائد العمليات رائد الكروي في بيان إنه “بناء على الاتفاق المسبق مع قيادة العمليات العسكرية المشتركة وقيادة عمليات نينوى للجيش تم التنسيق بشأن وضع خطة جديدة لانتشار القطعات الأمنية المتواجدة في محافظة نينوى، وتقسيم قاطع العمليات على الأجهزة الأمنية الأخرى والحشد الشعبي”، مؤكّدا مواصلة “قطعات الحشد الشعبي تواجدها في سنجار وتلعفر والحضر، بالإضافة إلى مناطق سهل نينوى”، ونافيا “ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن انسحاب قطعات الحشد الشعبي من مناطق محافظة نينوى”. ويُنظر إلى الميليشيات الشيعية في العراق على أنّها أدوات مناسبة للاستخدام من قبل إيران ضدّ الولايات المتّحدة في حال ازدادت علاقات الطرفين توتّرا ووصلت إلى حدّ الصدام العسكري. ونُقل عن عباس الزاملي عضو ائتلاف الفتح الممثّل السياسي لميليشيات الحشد الشعبي بقيادة هادي زعيم ميليشيا بدر قوله “لن نتخلى عن إيران في حال تعرضها لضربة من قبل الولايات المتحدة”.
مشاركة :