في الكويت اليوم، ومنذ فترة، نقاش دائر ومستحق، حول أسباب تراجع البلد وانتشار الفساد وتردي الأوضاع على كل المستويات. فالبلد صغير وغني وفيه دستور وبرلمان وأسرة حكم مستقرة، وقدرات شعبه وإمكاناته هائلة! إذاً أين الإشكالية ومكمن الخلل فيما آلت إليه الأوضاع؟ أتُراها في أسرة الحكم التي تخلت عن مسؤولياتها الصحيحة، وانشغلت في صراع الأقطاب والسلطة، فأحاطت نفسها ببطانة وشخصيات انتهازية، تحجبها عن الشعب، وتحرف المعلومة، وتسدي لها بالمشورة الخاطئة اندفاعاً وراء مصالحها الخاطئة، بل وظنت الأسرة، خطأ، أن خلق طبقة جديدة من المواطنين مصدر لقوتها؟! أم تُراها في النخب السياسية والثقافية التي تعاملت مع أجواء الحرية والانفتاح كما لو كانت نمطاً من الترف، فعاشت صراعاً وهمياً منطلقاته التخوين واحتكار الوطنية واغتيال الرأي الآخر والتخلي عن آداب الاختلاف وتجريد الآخرين من وطنيتهم أو قوميتهم أو دينهم لمجرد الاختلاف معهم، وانشغل كل منهم في البحث عن المكاسب الضيقة ظناً منهم أن ثقافة إلغاء الآخر قوة لهم؟! أم تُراها فيمن تقلد مسؤولية الحكومة والمناصب الوزارية، فعاش هَمّ الحفاظ على المنصب وتحقيق المكاسب، فسعى لهدر الأنظمة وقدم المحسوبية وانشغل بالواسطة وتوزيع المنافع، فقوض المؤسسات وترهلت الأجهزة، وتبددت سياسة الثواب والعقاب فضاعت المسؤولية؟! أم تُراها في مجلس الأمة ونوابه المتعاقبين، إذ لم يكن يجمعهم مشروع وطني للإصلاح ولَم ينشطوا لمثله بصورة جادة، فسعى معظمهم للبطولات الوهمية، والتكسب السياسي وأعْيُنهم وجل تفكيرهم كرسي النيابة وصوت الناخب، فعقدوا صفقات ومرّروا تشريعات وقربوا الأحباب والأصحاب وأساؤوا استخدام الأدوات والصلاحيات، وساهموا في العبث بالنظام الانتخابي، فأصيبت المؤسسة التشريعية بنكبات متلاحقة حتى غدت مسلوبة الإرادة فأضعفوا الرقابة وهزل التشريع؟! أم تُراها في ثقافة التنكر للقيم والتفريط بالمواطنة المسؤولة، بوأد الحس الوطني والتفريط في المسؤوليات وغرس سلوك الاتكالية وتشجيع أنماط الإثراء السريع، وتحويل المواطنة لتأهب للانقضاض على الوطن واقتسامه وكأنه غنيمة مؤقتة! فتحول التعليم لشهادات وأوراق، والوظيفة لمرتبات وإجازات ومطالبات وبطالة مقنعة وترهل إداري، والبحث عن الرشوة أو التربح! أظن أن كل من سبق هم الذين أسهموا وشاركوا وشجعوا على أن يتراجع البلد وتتردى أوضاعه، ومن ثم استشرى الفساد فيه، إنه تفريط من جيل ولد بين الأربعينيات والسبعينيات من القرن الماضي، جيل هم فئة الآباء والأمهات، هم النخب السياسية والثقافية والفكرية، هم الوزراء والنواب، هم الإدارة والبطانة وهم من تسلموا الكويت من أجيال الرعيل الأول، ففرطوا في الأمانة وأضاعوا المسؤوليات فتبددت معظم قيمهم، وأضاعوا عفويتهم، وتخلوا عن شجاعة النقد وصلابة الرأي والنصح المجرد من المصلحة والتكسب، فتدحرجت كرة الفساد، وكل منهم لا يرى نفسه ممن يتصدى لها حتى صارت غولاً كاسراً انهار معه البلد وشلت مؤسساته ووصلنا إلى أسوأ بلد في كل المؤشرات وذهبت أحلام التنمية أدراج الرياح!
مشاركة :