يُقال كثيرًا إن الدراسة تُعزز وتُقوى من قدرة الشخص على ممارسة الشيء الذى يُريده ويهواه، ولكن فى الحلقة العاشرة من «بورتريه» جاءت إحدى الفنانات التى تعارضت مع تلك المقولة رغم توافر كل الإمكانات التي تُمكنها من دراسة الفن التشكيلي خير دراسة، ولكنها أصرت في الاعتماد على موهبتها رافضة تمامًا أن تربط ذاتها بالقوانين والقواعد الفنية، إنها الفنانة «إنجي أفلاطون».بدأت أفلاطون فنها برفض التعليم الأكاديمي له، ونبع هذا الرفض من إيمانها ورؤيتها أن الفن لا يحتاج إلى دراسة، ولكنه يحتاج حرية ومساحة واسعة في التعبير تخرج من إحساس الفنان، ولا يعتمد على قواعد وقوانين تُدرس بالكليات والمعاهد الفنية.ولكن والدها عندما أدرك هذا الشغف عند «إنجي أفلاطون» أصر على إلحاق ابنته بإحدى المدارس لتنمية هذه الموهبة عندها، وبالفعل دفعها نحو أحد الاستوديوهات الفنية بشارع قصر النيل، ولكن «أفلاطون» لم تحتمل أكثر من شهر ثم تركت هذا المكان الأكاديمي.«أفلاطون» كانت شخصية قوية وقيادية، ربما ظهرت فى إصرارها بالاعتماد على النفس في تعلم الفن، ولكنه خرج نتيجة البيئة التي نشأت وتربت بها، فهي من خريجات مدرسة القلب المُقدس الفرنسية الداخلية، ورغم أنها من سكان أفخم القصور بالقاهرة إلا أنها لم تتأثر أبدًا بهذا وأثبتت ذاتها بتفوق وجدارة.وكان والدها دائم الحرص على تنمية مواهبها وقدراتها الفنية، ولكن نُقطة التحول الحقيقية لفنها ظهرت مع وجود الفنان كامل التلمساني في حياة «أفلاطون»، وكان التلمساني في هذا الوقت من المؤثرين في الحركة الفنية، فشرح لها الفن بشكل أكثر تفصيلًا وتعمقا فى تاريخ الفنون وفلسفة الجمال، فاستطاع أن يُقدم لها فنون التراث واتجاهات الفن الحديث من خلال المراجع الفنية والصور، فازدادت الفنانة انبهارًا وتعلقًا بالفن وكان ذلك في الثامنة عشر من عمره، فتعلمت على يديه الرسم والتصوير الزيتي لمدة عامين بداية من ١٩٤٠، ومن بعد ذلك تتلمذت على يد الفنان حامد عبدالله، ثم بالقسم الحر في كلية الفنون الجميلة.الإحساس الفني عند الفنانة قادها نحو اتخاذ «السيريالية» منهجًا مُتبعًا كأسلوب فني طوال عمرها لتستطيع التعبير عن نفسها، فكانت ترسم في لوحاتها كل ما يأتي على بالها، وبالفعل ظهر هذا الإبداع في أغلب لوحاتها، ومن بعد ذلك تيقنت الفنانة أنه قد حان الوقت لغرس أثر فني يتعايش معها طوال الحياة، فانضمت إلى جماعة «الفن والحرية» وكان الفنانان رمسيس يونان ومحمود سعيد من أبرز فناني هذه الجماعة.وفي إبداعات الفنانة كتب الكاتب إحسان عبدالقدوس: «لقد عشت مع إنجي أفلاطون منذ صباها الفني وأحسست أنها ولدت بالحياة كلها، بكل ما في الحياة من روعة الخضرة والألوان، وقد تطورت إنجي كما تتطور الحياة».وواصل قائلًا: «وعلى قدر ما أهيم في جمال كل تطوراتها على قدر ما أخشى عليها مع كل تطور، إنها الحياة، في انتظار التطور وأمنياته مع خشية المجهول الذي يمكن أن يحقق كل هذا التطور، إن إنجي أفلاطون عبقرية فنية لا تخمد أبدًا بل تزداد انطلاقا وتزداد روعة». ورغم مغامرات الفنانة المُتعددة خلال مشوارها الفني، تعلقت موضوعاتها بجميع الطبقات الاجتماعية التي كونتها من خلال سفرها المتواصل بين القرى والنجوع المصرية المُختلفة، هذا إلى جانب اهتمامها بالمرأة في لوحاتها لتُسلط الضوء على فكرة هيمنة المرأة على مقدرات المرأة، طوال مشوارها الفني حتى رحيلها وهي في الخامسة والستين من عمرها.
مشاركة :