شبح الإرهاب يخيم على تونس في عيد الاستقلال

  • 3/21/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

استقبلت تونس أمس الذكرى 59 للاستقلال في ظروف أمنية غير عادية، فقد تعززت الدوريات الأمنية وأعادت المؤسسة العسكرية والأمنية انتشار عناصرها حول المنشآت الحساسة وفي المناطق السياحية الكبرى. وخلافا للسنوات الماضية التي كانت فيها الاحتفالات مركزة على الماضي واسترجاع مراحل التحرر الوطني وأبطال الحركة الوطنية، فإن الجهود والرسائل هذه السنة تمثلت في كيفية محاربة الإرهاب والقضاء على إحدى الآفات التي تهدد البناء المجتمعي التونسي وتوشك على إدخال تونس في ظرف اقتصادي كارثي. وبمناسبة ذكرى الاستقلال انتظمت بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية مسيرة شعبية شارك فيها الآلاف من التونسيين خصصت لمناهضة الإرهاب والمجموعات الإرهابية. ورفع المشاركون عدة شعارات ضد الإرهاب من بينها «لا للإرهاب في تونس... تونس الاستقلال» و«لن تمروا» و«لا مكان للإرهابيين في تونس». وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إن أول رهان للدولة التونسية اليوم هو كسب المعركة ضد الإرهاب، وأكد: «سنعمل من أجل وحدة الوطن وسيادة الدولة». وأضاف خلال موكب انتظم بمناسبة الذكرى 59 لاستقلال تونس أن توفر الأمن يعد شرطا أساسيا للخروج من الأزمة، ودعا القوى الوطنية للوقوف صفا واحدا من أجل مكافحة آفة الإرهاب ودحرها. وحذر السبسي من احتمال تحول العدالة الانتقالية إلى عدالة انتقامية، واعتبر أن المصالحة الوطنية خطوة ضرورية لتجاوز مجموعة من الملفات العالقة. وقال إن المصالحة الوطنية تفتح الطريق أمام الإسهام الجدي في البناء الوطني وتذليل العقبات. واقترح السبسي معالجة ملف رجال الأعمال التونسيين الممنوعين من السفر، وقال إن المصالحة يمكن أن تعيدهم إلى سالف أنشطتهم الاقتصادية بعد إبرام اتفاقيات تهم ملفاتهم السياسية والمالية. وربط السبسي بين المصالحة الاقتصادية والمصالحة الوطنية، ودعا التونسيين إلى تفعيل مبادئ الوحدة الوطنية مثلما فعلوا ذلك بنجاح زمن الاستعمار الفرنسي لتونس. وفي نطاق رد تونس على المجموعات الإرهابية وتحديها، أعلنت لطيفة لخضر وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث عن قرار إعادة فتح متحف باردو أمام الزوار ابتدء من يوم الثلاثاء المقبل. وأكدت في مؤتمر صحافي عقدته بالمناسبة، على ضرورة تأمين المعالم الأثرية والمتاحف في كل أنحاء تونس حتى لا تكون هدفا للاعتداءات الإرهابية مثلما حصل لمتحف باردو. وأشارت إلى تشكيل خلية سلامة تتكون من 600 حارس سيضاف لهم 400 آخرون في وقت لاحق، بالإضافة إلى تعيين ملحق أمني بالمعهد الوطني للتراث ليتولى إرساء شبكة لحماية المواقع الأثرية. وفي السياق ذاته، وخلال اجتماع جمع الحبيب الصيد رئيس الحكومة بأحزاب ومنظمات تونسية ومكونات المجتمع المدني، قال الصيد إنه يمثل رسالة قوية في وجه الإرهابيين وكل أعداء المسار الديمقراطي في تونس، سواء في الداخل والخارج، وأضاف قوله: «إن جميع التونسيين يمثلون جبهة صماء لمقاومة عصابات الإرهاب والقتل والإجرام». وعبر رئيس الحكومة التونسية عن يقينه بأن تونس تواجه أخطارا جمة هدفها زعزعة الأمن والاستقرار وبث الفوضى، ودعا جميع التونسيين إلى أن «يدركوا أن تونس تخوض حربا شرسة ضد الإرهاب لحماية النظام الجمهوري والمسار الديمقراطي ونمطها المجتمعي، نمط الوسطية والاعتدال والتسامح»، على حد تعبيره. وقال الصيد مخاطبا مجموعة كبيرة من رؤساء الأحزاب التونسية إن «الحرب ضد الإرهاب، حرب طويلة تتطلب الصّبر وطول النفس والتضحية واليقظة المستمرة والجاهزيّة الدّائمة والوحدة الوطنية المقدسة والوقوف صفا واحدا وراء أبطال المؤسستين الأمنية والعسكرية». وأوضح أن هذه العملية الإرهابية التي جدت في متحف باردو تؤكد تخبط الإرهابيين بعد الضربات الموجعة التي تلقوها والعمليات الاستباقية للوحدات الأمنية والنجاح في تفكيك كثير من الخلايا النائمة والقضاء على عناصر إرهابية خطيرة وإيقاف عشرات الإرهابيين واكتشاف مخابئ للأسلحة. وقال رئيس الحكومة: «نحن بصدد التعمّق في ملابسات هذه العمليّة الإرهابيّة وفي كلّ الظروف المحيطة بها وفيما قد يكون حصل من أخطاء أو تقصير». وأكد أن الإسراع في استكمال الخطة الأمنيّة التي تم الشروع فيها جار وبنسق حثيث وهدفها دعم التنسيق والتكامل بين قوات الأمن الدّاخلي والجيش الوطني على الصعيد الميداني ودعمهما بالمعدات والتجهيزات اللازمة، على حد تعبيره. ومن الناحية الأمنية، عززت المؤسسة الأمنية والعسكرية وجودها في عدة أماكن حساسة في تونس، وشهد محيط مقر الإذاعة التونسية وسط العاصمة تعزيزات أمنية غير معهودة ومنعت قوات الأمن مرور العربات بالقرب من مقر الإذاعة في منطقة «لافيات» وسط العاصمة مما عطل حركة المرور، وقال محمد علي العروي المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية في تصريح إعلامي إن الوزارة اتخذت إجراءات ميدانية وعدة تعزيزات أمنية في عدة مناطق أملتها العملية الإرهابية التي عرفها متحف باردو. وطالبت عدة مؤسسات ومنشآت كبرى بتدعيم الحماية الأمنية وأبدى الساهرون عليها خشيتهم من تكرر الهجوم الإرهابي في مناطق أخرى وبصيغ مختلفة. وقدمت المؤسسة العسكرية دعما قويا لقوات الأمن الوطني وهي قرارات اتخذها الباجي قائد السبسي الرئيس التونسي خلال الاجتماع الاستثنائي الذي جمع لأول مرة أعضاء المجلس الأعلى للجيوش والمجلس الأعلى للأمن. وأكدت مصادر برلمانية لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال بات جاهزا ومن المرجح عرضه على أنظار مجلس وزاري برئاسة الحبيب الصيد بداية من يوم 25 مارس (آذار) الحالي على أن يودع في اليوم الموالي بمكتب مجلس نواب الشعب (البرلمان). وأفادت المصادر بأن هذا القانون الذي سيعوض قانون 2033 سيمكن أكثر من طرف أمني وقضائي من عمل أكثر ضمانا من الناحية القانونية. ومن ناحيته، قال المنصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق إن محاربة الإرهاب يجب أن لا تتحول إلى ذريعة لضرب حقوق الإنسان بأي حال من الأحوال أو التعدي على الحريات الفردية والجماعية. ودعا إلى الموازنة بين الجوانب الأمنية والعسكرية، وبين الجوانب الثقافية والأخلاقية حتى يكتمل انتصار تونس على آفة الإرهاب. في غضون ذلك، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أنهما سيتوجهان إلى تونس في 31 مارس لتعزيز التعاون بينهما في مجال الأمن خصوصا. وقالت موغيريني: «يمكننا تعزيز التعاون بيننا في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب بالتأكيد». ووعدت في الوقت نفسه بتعاون اقتصادي واجتماعي متزايد مع تونس. وأضافت أنه «يجب أن يجد الشباب التونسيون مكانهم في المجتمع وقد يكون ذلك مفتاحا لمنع انجذابهم إلى منظمات إرهابية تستغل شعورهم بالاستياء». كما أفادت تقارير إعلامية، أمس، في تونس، بإيقاف عدد من العناصر المتشددة كانت احتفلت بالهجوم الإرهابي على متحف باردو الأربعاء الماضي. وأفادت إذاعة «شمس إف إم» الخاصة بأن الأجهزة الأمنية نفذت حملة أمنية واسعة بعدد من المدن في ولاية نابل (60 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة) إثر معلومات عن احتفاء عدد من المتشددين دينيا بالعملية الإرهابية في باردو. وأوضحت الإذاعة أن وحدات من الأمن داهمت عددا من المنازل المشبوهة في مدن نابل وقربة وتازركة وبني خيار وقرمبالية وأوقفت مجموعة من المشتبه بهم من بين المتشددين. يذكر أن تنظيم داعش أعلن المسؤولية عن الهجوم على المتحف، ما أسفر عن سقوط العشرات ما بين قتيل وجريح. وفي سياق منفصل، اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس بالرئيس التونسي السبسي وقدم تعازيه ومواساته بعد هجوم باردو الذي شهدته تونس الأربعاء الماضي.

مشاركة :