"الأَزْهَرُ الشريف... شَرفُ الزَّمَان وَعَبْقَرِيَّةُ المكان "بقلمأ. د أحمد الشرقاوي، أستاذ قانون المرافعات المساعد بكلية الشريعة والقانون وأمين عام المكتب الفني لقطاع المعاهد الأزهريةيحتاج الإنسان منا من حين لآخر إلي تذكرة بماضيه وتبصرة بواقعه فضلا عن استشرافه لمستقبله، الذي هو وعاء فكره وآماله ومحل علومه وأحلامه، وذلك على نحو يحقق مقصود هذه التذكرة في الوطن الذي يعيش فيه وفى العالم أجمع.ومن أيام قليلة مضت كان الشعب المصري يحتفل بمرور 1079م عاما على افتتاح الأزهر الميمون، 1079م عاما من الشموخ والعطاء والنماء والدفاع عن قضايا الإنسانية المتشابكة والدائرة هنا أو هناك،الأمر الذي يستوجب قطعًا القول بأنه إذا كانت مصر هبة النيل فإن الأزهر الشريف في مصر بتاريخه العريق ورسالته السامية النقية هو هبة للإنسانية كلها.وهنا نذّكر القارئ الكريم بأن الله - عَزَّ وَجَلَّ حين ذكر مصر فِي القُرْآنِ الكَرِيم عدة مرات هذا لم يكن عبثًا، بَلْ هو سِر إلهَي وَرَاء هَذَا الذِّكْرِ المتكرر وهذا التكريم العظيم، فقد اختار الله مِصرَ لِتَكون حَلَقَة الوَصْلِ بَيْنَ شُعُوبِ العَالَمِ، لتبني بذلك دَعَائِمَ الإِيمَانِ الحَقِيقِيِّ وتؤسس لفِكْر وسطي مُسْتَنِير، وهو ما يجعل لِمِصرَ مَكَانَة عَظِيمَة بَيْنَ الأُمَمِ وفي قلوب الناس جميعا ثم تم تشييد هذا الصرح العلمي الكبير على أرضها المباركة وهو الجامع الأزهر، لتزداد مكانة ورفعة. وَمِنْ هَذَا المُنْطَلَقُ أستطيع القَوْلَ بِأَنْ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أرَادَ أَنْ يَتِمَّ عَلَى مِصرَ نعمته وفضله، وَقَدْ تَمَثلت هذه َالنعمة وذلكم الفضل العظيم فِي بِنَاءِ الجَامِعِ الأَزْهَر، الَّذِي يَعْتَبِرُه العَالَم الإِنْسَانِي بِمَثَابَةِ المَكَانِ الرُّوحِي وَالعِلْمِي، الَّذِي يخْرِج مِنْه النُّور وَالإِيمَان والحكمة البالغة.ولَقَدْ أَرَادَ اللهَ أَنْ يَعم النُّورُ وَالإِيمَانُ والسَّلَام عَلَى كَافَّةِ أَنْحَاءِ العَالَمِ، فَاصطفى لذلك أَرْضًا صَالِحَة وَرِجَالا أَقْوِيَاء أمناء يَقُومُون على هذه الرِّسَالَةِ السَّامِية، تلبية‘ لحاجات الإنسان في دينه ودنياه، وَمِنْ هُنَا كان للجَامِع الأَزْهَر مُنْذ نَشْأَتِهِ وحتى الآن دوره الرئيس في صون مصالح الإنسان المختلفة بقطع النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو لسانه، وذلك لأن رِسَالَة الأَزْهَر الشريف قامت علَى الاِحْتِوَاءِ والعمل على تقرير روابط الوحدة وتنمية الألفة في الأوساط المختلفة، حَيْث عَمِل عَلَى التوفيقِ بِين مُخْتَلِف المَذَاهِب،ِ تحقيقًا لمقصود رسالته وهي حمل النفع والخير لجميع الإنسانية وصون مصالحها باختلاف الزمان والمكان.وإِذَا نَظَرْنَا إِلَى رِجَالِ الأَزْهَر الشَّرِيف فِي مُخْتَلِفِ الفَتَرَاتِ والأزمات التي مرت بالإنسانية نجد أنَّهُمْ رُجال صَدَّقُوا مَا عَاهَدُوا اللهُ عَلَيْهِ وَخير دَلِيل عَلَى هَذَا مَوْقِف شيوخ الأزهر مِنْ الحَمْلَةِ الفَرَنْسِيَّة وغيرها، فَلَقَدْ استطاع رِجَال الأَزْهَر الشَّرِيفِ الحِفَاظَ عَلَى الوَطَنِ أرضًا وعرضًا جنبا إلى جنب مع جيش مصر العظيم وأبطاله البواسل، فقاوموا المستعمر بالفكر تارة وبالقوة وشحذ الهمم تارة أخرى، وَالتَّارِيخ حَافِل بِمُخْتَلِف النَّمَاذِجِ المُضِيئة في هذا الشأن.كما أن الأَزْهَر الشريف حافل بتاريخه فِي العُلُومِ الشَّرْعِيَّة وَالعَرَبِيَّة وكذلك العلوم التَّطْبِيقِيَّة، الَّتِي تَخْدِم المُجْتَمَع الإِنْسَانِي مَحَلِيًّا وَإقليميًا ودولِيًا وعالميًا، بالإضافة إلي أنه غني بعلمائه الرُوَّاد فِي جَمِيعِ المَجَالَاتِ المختلفة في مِصْر وَالعَالَم.وأخيرًا: أقول لجميع أبناء الأَزْهَر الشريف في الداخل والخارج حق لكم أن تفْتَخِرُوا بأزهركم الشريف الذي هو مصدر علمكم ونوركم وقوة حجتكم ورقة طبعكم وجزالة رأيكم، حفظ الله مصرنا الحبيبة وأزهرنا الشَّرِيف وشيخنا الجليل وطُلَّابه وَمُعَلِّمِيه مِنْ كُل مكروه وَسُوءٍ وزادهم الله علما وحكمة وجعلهم دائما سفراء حق وحكماء عدل للإنسانية جمعاء.
مشاركة :