الـبُـعد الـبـيئي فـي مـنــظــومة الـتـنمية المستدامة

  • 5/19/2019
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

ما المشاكل البيئية التي يعاني منها العالم العربي؟ عالمنا العربي كما هو في العادة يعاني الكثير من المشاكل، وقطاع البيئة شأنه شأن بقية القطاعات. ففي الشأن البيئي - وبعيدًا عن لغة الأرقام- نحن نعاني من مشاكل التصحر بكل معاناتها وزحفها وتوسعها، ونحن هنا لا نتحدث عن الصحراء التي هي مساحات طبيعية وُجدنا فيها، إذ نحن نعيش في الشريط الصحراوي من العالم، وإنما نتحدث عن التصحر؛ هذا الأمر الذي أحدثه الإنسان والذي تغول وأصبح يزحف في البداية على المناطق الزراعية والآن أصبح يزحف على المدن، ولم تعد تلك الصحراء زاحفة فحسب بل بدأ من بضع عقود يزحف معها الغبار على مناطق لم تكن تشهد ذلك، ومن ظواهر انتشار الغبار مشاكل الربو وأمراض الجهاز التنفسي. يعاني العالم العربي من مشاكل التلوث بكل أنواعه بسبب الصناعات الرديئة التي يجلبها من الشرق والغرب، فهي تدخل الدول من غير شروط أو اشتراطات، المهم أن تكون لدينا صناعة، حتى وإن كنا دولا غير صناعية، فتأتي تلك المصانع بكل غازاتها وكل مخلفاتها السائلة والصلبة، ثم - وكأن الجهات التشغيلية تتفاجأ أن هذه المصانع ينتج عنها ملوثات ومخلفات - تجد الجهات أن لديها مشكلة نفايات ومخلفات، فلا تجد لها الحلول المناسبة، فتظل هذه القضية معلقة. فيتلوث الهواء وتتلوث الأجواء بغازات قاتلة أو مؤثرة على الصحة، ويصاب البشر بعديد من الأمراض التي لم تكن معروفة منذ قرون أو حتى عقود، فتنتشر سرطانات الدم والجهاز التنفسي، والمعدة والكبد وكل أنواع الأورام الخبيثة، وتتلوث البحار وتموت الأسماك والكائنات الحية الموجودة في البحر، فيتلوث غذاء الإنسان، فتنتقل كل تلك الملوثات إلى معدة الإنسان، ترى ماذا يمكن أن يحدث بعدها؟ وتتلوث التربة فتموت الأشجار والحياة، وما زالت هذه القضية معلقة ولا حلول لها، ويقف الإنسان العربي لا حول له ولا قوة. ومشكلة المخلفات لا تأتي من المصانع فحسب، بل تعاني دولنا من مشاكل المخلفات المنزلية التي غدت اليوم أزمة حقيقية، فلا خطط ولا استراتيجيات ولا إدارات لحل مثل هذه الأزمة، ويظل الوضع كما هو عليه. يعاني العالم العربي من شح المياه العذبة، فنحن في دول شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وربما بعض الدول الأخرى نشرب من تقطير مياه البحر، وبعض الدول تشرب من مياه الأنهار التي عادة ما تكون منابعها في دول الجوار غير العربية، فلو - لا سمح الله - تم إيقاف كل تلك المياه بسبب أو بآخر ترى ماذا يمكن أن يحدث؟ أو إن توقفت أجهزة التقطير - بسبب أو بآخر - ترى إلى أي مدى سيكون لدينا الماء لنشرب؟ وحتى تلك الكميات الشحيحة من مياه الأمطار التي تتساقط بين فترة وأخرى على أجزاء من الوطن العربي لا نعرف كيف نستغلها وكيف نستفيد منها، فجُلها إن لم يكن كلها يرمى في البحر غير مأسوف عليه، لماذا؟ أغذيتنا تأتي من الخارج، وهي تحمل كل الملوثات والمبيدات الحشرية وبقية الملوثات وبقايا الهرمونات، فلا مختبرات جيدة ولا أنظمة لدينا يمكن أن تترصد كل هذه الأغذية، فتدخل الموانئ وتصل إلى معدة البشر، وفي الآونة الأخيرة جاءت العديد من الدول بالأغذية المعدلة وراثيًّا ونحن ما زلنا نتحدث عن بكتيريا القولون والسالمونيلا وما شابه ذلك، ترى أما آن لنا أن نجاري العالم؟ واليوم تعاني دول العالم من مشكلة تغير المناخ الذي يسبب العديد من الكوارث الطبيعية كالأعاصير والتسونامي وارتفاع مستوى مياه البحر، وكذلك التصحر وكل تلك الكوارث التي تصاحبه، والغريب في الموضوع أن كل دول العالم تحاول منذ سنوات وتفكر وتضع الخطط والاستراتيجيات لحماية أوطانها من هذه الكوارث، إلا العالم العربي الذي ما زال لم يستوعب هذا الوضع البيئي الجديد الذي يمكن أن يهدم كل ما بناه الإنسان من تطور ورفاه وحضارة، ولا أعرف السبب. هذه بعض القضايا والمشاكل الكبيرة التي تواجه الدول العربية قاطبة، بالإضافة إلى العديد من المشاكل الصغيرة التي تعاني منها كل دولة على حدة، كل ذلك والخطط والاستراتيجيات موجودة ومكتوبة ومزينة ومغلفة بأجمل الأغلفة، ولكنها موضوعة في الخزائن القابعة في غرف المسؤولين، ويمكن أن تظهر - فقط - عند زيارة الوفود الذين نفتخر أمامهم أن لدينا الاستراتيجيات، ولكن في واقع الحال إنها لا تطبق ولا تجد للنور بصيصا حتى يمكن أن تتجسد في البحر أو في البر أو في حياة البشر. وهذه المشاكل والقضايا البيئية الكثيرة والعديدة، تحولت ذات يوم -وفي غفلة منا - إلى أزمات تراكمت وشكَّلت عبئا ثقيلاً على العالم العربي، فأصبح هذا الجزء من العالم لا ينتمي إلى بقية العوالم، فلا هو من العالم الأول ولا الثاني على الرغم من ثراء بعض دوله وإنما أصبحت من العالم الثالث، وليت الأمر ظل هكذا فالدول العربية لا تحصل على معونات مادية ولا بشرية للتخلص من المشاكل والأعباء البيئية التي تحيطها وذلك بسبب ثراء بعض دولها، لذلك ظل هذا العالم يتأرجح بين هؤلاء وهؤلاء. ومع مرور السنين أخذت هذه الأزمات تؤثر على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية فهي تؤدي إلى البطالة، والفقر، وتدني المستوى الصحي، وتؤثر على جودة الحياة، والاستغلال غير الرشيد للمواد الخام وتهدم البنية التحتية، وفي النهاية يمكن أن تؤدي إلى الجوع والعودة إلى زمن القحط والصحراء وما إلى ذلك، فهل فكر العالم العربي وعلماؤه وساسته في كل هذا؟ أم ما زلنا نعيش على البركة، وأن السماء ستمطر ذهبًا أو فضة في يوم من الأيام؟ لذلك عندما وقعت الدول العربية على أهداف التنمية المستدامة 2030 اعتقدت أن أزماتها البيئية سوف تجد حلاً بصورة آلية، وخاصة أن أحد أبعاد أهداف التنمية المستدامة هي البيئة، ولكن وجدت أن عليها القيام بتعديل الكثير من أمورها وأوضاعها حتى تتوافق مع مجريات الأوضاع العالمية، هذا على الرغم من أن دول العالم والكثير من العواصم العالمية تعاني الأمرين من الأوضاع البيئية، فإن الكثير منها يسعى للحيلولة دون تفاقم تلك الأزمات والكوارث، لذلك نعتقد أنه حتى تخرج الدول العربية من الأزمات والمشاكل البيئية وتسير على خطى العالم عليها أن تقوم ببعض الأمور التالية: 1- الموضوعية والشفافية؛ على الدول العربية أن تنظر إلى مشاكلها بنظرة موضوعية وشفافية، وليس بنظرة كتابة تقرير يمكن أن يرفع إلى المسؤولين في الدولة أو إلى الجهات الدولية، فنحن نعرف كيف تكتب التقارير، وما المعلومات التي يمكن أن تحويها، وما المعلومات التي تخفى، وكل أسرار التقارير، ولكن هذا لا ينفع ولا يحل المشاكل، بل نحتاج اليوم حتى نقيم التنمية المستدامة في عالمنا أن نكون صريحين - على الأقل مع أنفسنا - وأن نضع أصابعنا على الجراح بكل موضوعية وشفافية، عندئذ يمكن أن نقدم الحلول الناجعة بكل موضوعية. 2- الحوكمة البيئية؛ ونعني بها هنا وضع الضوابط والمعايير اللازمة لكل القضايا البيئية التي نعاني منها، ومن ثم فنحن نحتاج إلى مؤشرات قوية وواضحة حتى نسير قدمًا، أما إن كانت معاييرنا ومؤشراتنا تتقلب بحسب أهواء بعض المسؤولين فإننا حتمًا سنظل نراوح في مكاننا. علمًا أن هناك علاقة سببية بين الحوكمة البيئية والسير نحو التنمية المستدامة، فهل نحن نسير وفق ذلك؟ 3- المواءمة بين القضايا الإدارية والقضايا البيئية؛ فالبيئة وقضاياها المتشعبة تحتاج إلى إدارة، ولا نعني وزارة أو هيئة أو مجلسا، أو أي نوع من الأجسام الحكومية ومبنى وما إلى ذلك، بل نعني إدارة العمل البيئي واتساقه مع المنهجية والمنظومة العالمية التي تسير نحو منظومة التنمية المستدامة. 4- التفكير الموحد أو شبه الموحد بين الدول العربية؛ وذلك بسبب أن بعض الدول غنية بالموارد النفطية، وبعض الدول غنية بالمياه العذبة، وبعض الدول غنية بمساحات الأراضي الخصبة، وما شابه ذلك، فلو فكرنا معا ووضعنا مشاكلنا معًا ثم أخذنا من هذا ووضعناه على ذاك فإن الأمور ستتحسن، ولا نقول إنها ستنتهي ولكنها حتمًا ستصبح أفضل. 5- إيجاد جماعات أهلية مراقبة وضاغطة؛ هذه الجماعات أصبح وجودها اليوم ضروريا، وللأسف فإن الدول تحاربها وتحاول أن تعزلها عن مناطق اتخاذ القرار، ولكن الحقيقة تقول إن كان تفكير هذه الدول يسير وفق منظومة التنمية المستدامة فإنه ينبغي لها إيجاد مثل هذه الجماعات حتى تكون- هي- مراقبة لها من الخارج حتى تصحح مسارها كجهات تنفيذية أو تشريعية، ويجب أن تسهم هذه الجماعات في كل المشاريع التشريعية وحتى التنفيذية، وذلك من مبدأ الهدف السابع عشر للتنمية المستدامة والذي ينص على (شراكات لتحقيق الأهداف). 6- الاعتقاد التام بأن هناك علاقة طردية بين البيئة والتنمية المستدامة؛ فلا يستقيم السير في منظومة التنمية المستدامة والأخذ بمنهجياتها من غير الاهتمام بالجزء الخاص بالبيئة، ولا ينفع أن تكون لنا خطط واستراتيجيات مخزنة في الخزائن وإنما نحن نتحدث عن استراتيجيات تغير الواقع البيئي، وتحاول أن تحل الأزمات مهما كانت تلك الأزمات، وليس بالضرورة أن نحل كل تلك المشكلات في لحظة واحدة بل يمكن توزيعها على مستويات وسنوات. 7- اعتبار أن البيئة منهج حياة؛ وأن الرفاه ومعظم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تكون البيئة طرفا فيها، فلنتحول إلى الطاقات البديلة بدلاً من حرق النفط أو الغاز لتوليد الطاقة والكهرباء، ولنتحول إلى الاستهلاك والإنتاج المستدام بدلاً من رمي المخلفات وتراكمها من غير أي شعور ومسؤولية، ولنحافظ على ثرواتنا البحرية، وهوائنا، وغذائنا، وحتى في منازلنا وفي مدارسنا، فلنتحول من مناهج عقيمة تُدرس الطفل مناهج البيئة في المدارس ويمتحن فيها الطالب في نهاية الفصل الدراسي لينتهي كل شيء عند بوابات قاعات الاختبارات إلى منهج حياة، هذا إن كنا نريد السير في طريق التنمية المستدامة. وبناء على كل ذلك يمكن إيجاد الإنسان البيئي، ومن ثم إنشاء المنزل البيئي، والمدينة البيئية المستدامة، والمنشآت والمصانع البيئية، وهكذا، وهذا قد يستغرق سنوات طويلة ولكنه هو الحل، أما إن بقينا في هذا المربع وتوقفنا عن التفكير خارج الصندوق فإننا سنقيد أنفسنا بالصندوق وفي النهاية نحبس أنفسنا حتى عن التفكير لأن القضايا البيئية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بها ستتراكم وستصبح كالجبل الجليدي، قمته قضايا البيئة وقاعدته بقية القضايا التي لا نريد التفكير فيها. لذلك عندما وضعت أهداف التنمية المستدامة الـ17، تم تخصيص خمسة أهداف منها للبيئة، يعني حوالي (29%) من الأهداف تعد أهدافا بيئية بحتة، كما أشرنا ونشير دائمًا إلى أن هذه الأهداف والقضايا البيئية مرتبطة بصورة سببية بالأهداف الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، فإن كنا فعلاً نريد أن نسير في تحقيق منظومة التنمية المستدامة فإنه ينبغي الخروج من الاستراتيجيات الموضوعة فوق الأرفف والخزانات وأن نترك لها حرية تغيير الواقع ولكن بطريقة منهجية وموضوعية شفافة ومستدامة. وللبيئة حديث ذو شجون، ولنا في هذا الموضوع لقاء آخر. Zkhunji@hotmail.com

مشاركة :