برهاناتها غير الواضحة وشخصياتها غير المعروفة، لم تُثر مناظرات الانتخابات الأوروبية اهتماماً واسعاً، لذا يمكن، كما حدث في 2014، أن يشهد الاقتراع المقرر أن يجرى من 23 إلى 26 الجاري نسبة امتناع كبيرة واختراقاً للأحزاب الشعبوية وللمناهضين للاتحاد الأوروبي. يتوجه أكثر من 400 مليون ناخب في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي إلى مراكز الاقتراع من 23 إلى 26 الجاري لانتخاب برلمان أوروبي جديد، في اقتراع يتوقع أن تسجل فيه الأحزاب الشعبوية اختراقا جديدا، مدفوعة بقضية الهجرة الساخنة. وسيضم البرلمان 751 نائبا بينهم 73 بريطانيا، لأن المملكة المتحدة لم تنفصل بعد عن الاتحاد. ومن سخرية القدر أن البريطانيين سيكونون أوائل المقترعين في 23 الجاري، بينما ترجح استطلاعات الرأي فوز حزب «بريكس» المناهض للوحدة الأوروبية. لكن الأحزاب المشكّكة في جدوى الوحدة الأوروبية بعيدة عن تحقيق غالبية، كما تفيد استطلاعات الرأي. لكنها يمكن أن تساهم في تغيير التوازنات التاريخية في البرلمان الأوروبي الذي تهيمن عليه منذ 1979 وبلا انقطاع تقريبا، أحزاب اليمين واليسار المؤيدة لأوروبا، لذا يمكن أن يشهد الاقتراع نسبة امتناع كبيرة واختراقا للمناهضين للاتحاد الأوروبي. وتشير التوقعات إلى احتمال فوز 173 عضوا تحت رايات هذه المجموعات. لكن التحقيقات في مصادر تمويلهم يمكن أن تضر بطموحاتهم. وأدى كشف قضية من هذا النوع أمس الأول، إلى استقالة نائب المستشار النمساوي المحافظ هاينز كريستيان شتراخه العضو في حزب «حرية النمسا» اليميني القومي، مما دفع بالرئيس النمساوي الكسندر فان دير بيلين أمس، الى إعلان أنه سيتم إجراء انتخابات عامة مبكرة في البلاد أوائل شهر سبتمبر المقبل، في أعقاب «فضيحة إيبيزا» التي أدت إلى انهيار الائتلاف اليميني في البلاد، بعدما ظهر شتراخه وهو يناقش في فيلا بجزيرة إيبيزا قبل أشهر من انتخابات 2017 التشريعية، مع امرأة يُعتقد أنها مرتبطة بشخصية روسية، احتمالَ تقديم مساعدات مالية مقابل منحها مدخلا لعقود حكومية مع النمسا. اختراق متوقّع الى ذلك، من المنتظر أن يبدأ الاستطلاع للأحزاب الشعبوية في القارة الاوروبية الخميس المقبل في هولندا، حيث يتصدر حزب «المنتدى من أجل الديمقراطية» المناهض للهجرة وقضايا البيئة، الاستطلاعات. ومن أبرز السياسيين حاليا في هولندا تييري بوديه الذي يقول إنه «مؤيد لأوروبا، لكن ضد الاتحاد الأوروبي». ويتوقع أن يكون حزبه «المنتدى من أجل الديمقراطية» أكبر الفائزين في الاقتراع الأوروبي في هذا البلد. وكشف استطلاع للرأي أجراه «معهد يوغوف» في 8 دول أوروبية وشمل 8021 شخصاً أن الناخبين يعتبرون الهجرة وحماية البيئة القضية التي ظهرت أخيرا مع تعبئة لشبان في عدد من الدول، التحديين الرئيسيين لمستقبل الاتحاد الأوروبي. سالفيني وقبل أسبوع من الانتخابات، وفي تظاهرة كبيرة أفسدت عليها فضيحة طالت حليفها النمساوي، احتشدت أحزاب قومية ويمينية متطرفة من شتى أنحاء أوروبا بقيادة نائب رئيس وزراء إيطاليا ماتيو سالفيني، أمس الأول، منتقدة «الهجرة والإسلام والاتحاد الأوروبي». وأمام عشرات الآلاف الذين تجمّعوا تحت المطر في ساحة كاتدرائية دومو الشهيرة بميلانو، قال سالفيني زعيم حزب «الرابطة» القومي المتطرّف «في هذه الساحة، لا يوجد متطرّفون، لا يوجد عنصريون ولا فاشيون». وأضاف أن «العنصريين هم أولئك الذين حكموا أوروبا خلال 20 عاماً باسم الفقر وانعدام الاستقرار». ودعا سالفيني الناخبين إلى التعبئة في 26 الجاري للتفوق على «اليسار» في الانتخابات الأوروبية وتجاهل الماضي. وكثّف سالفيني، نجم هذا التجمع الذي حضره 12 حزباً من اليمين القومي، والذي لقّبه أنصاره بـ «القبطان» الإشارات إلى الديانة الكاثوليكية وإلى أصول أوروبا اليهودية المسيحية. من جهته، قال زعيم «حزب الحرية في هولندا» خيرت فيلدرز: «كفى إسلاما». وتابع: «النخب السياسية في بروكسل لا تستحق ثقتنا بعد اليوم»، معتبراً أن «أوروبا تحتاج إلى أكثر من سالفيني». بدورها، قالت زعيمة «التجمع الوطني» مارين لوبن، إن «يوم النصر للأوطان قد وصل». وفي خطاب اتّسم بعبارات متعلقة بالهوية، نددت لوبن بما وصفته بأنه «أوليغارشية من دون معايير، ولديها طموح واحد، إخضاع وإضعاف أممنا». وأضافت: «نقول كلا لهذه الهجرة التي تغمر بلادنا وتعرّض للخطر أمن شعبنا وقيم حضارتنا». وتحدثت عن أوروبا «عمرها آلاف السنين، ابنة أثينا وروما، والمسيحية وعصر التنوير». ميركل في المقابل، طالبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس الأول، السياسيين الأوروبيين بـ «ضرورة الوقوف بوجه سياسيي اليمين المتطرّف الذين يبيعون أنفسهم»، وذلك في إشارة الى فضيحة شتراخه. وفي مؤتمر صحافي أمام تجمّع لحزب «الاتحاد الكرواتي الديمقراطي» في العاصمة الكرواتية زغرب، قالت ميركل: «نواجه تيارات تريد تدمير أوروبا وقيمنا، وعلينا التصدي لذلك بحسم». واعتبرت أن «الوطنية والمشروع الأوروبي لا يتناقضان». وتابعت: «القومية عدوة المشروع الأوروبي، هذا ما علينا أن نوضحه في الأيام الأخيرة قبل الانتخابات»، ودعت إلى اختيار الأحزاب التي تدعم أوروبا صاحبة القيم. وقالت: «أوروبا هي نتيجة للسلام والحرية والرفاهية، والنعرة القومية هي عدو المشروع الأوروبي».
مشاركة :