تواصل الحكومة الجزائرية الإصرار على رهان شراء السلم الاجتماعي، من أجل احتواء حالة الغضب المتفاقم في الشارع، خاصة منذ اندلاع أحداث الحراك الشعبي في الثاني والعشرين من شهر فبراير الماضي. ويقول محللون إن السلطات تغامر بالاستمرار في توسيع تقديم القروض للعائلات وحتى إغرائها بإمكانية استيراد السيارات المستعملة، رغم تقلص الاحتياطات والدفعات المالية للبلاد. ودخلت وزارة المالية الجزائرية في إجراءات متقدمة في الأسابيع الأخيرة في برامج لتقديم القروض الميسرة دون فوائد للعائلات الفقيرة ومحدودي الدخل. ووضعت الوزارة بالتعاون مع البنك المركزي تفاصيل وحيثيات تلك البرامج، التي تمكن المشمولين بها من الحصول على تلك القروض، وخاصة في ما يتعلق بالتسهيلات الجديدة التي أقرتها حكومة نورالدين بدوي. وتأتي هذه الخطوة التي كانت تستهدف تقديم قروض بسيطة لفائدة الأسر الفقيرة من أجل إقامة مشروعات صغيرة تحقق دخلا في إطار جهود محاربة البطالة المتصاعدة، في ظرف اقتصادي استثنائي تمر به البلاد، جراء غياب الاستقرار الاجتماعي والسياسي وهشاشة المؤسسات الرسمية، فضلا عن تراجع مقدرات الدولة من النقد الأجنبي.وتدير حكومة نورالدين بدوي تصريف أعمال الدولة لفترة مؤقتة، بعد استقالة حكومة أحمد أويحيى، طبقا لما تمليه التشريعات الدستورية، التي تحظر عليها اتخاذ القرارات الاقتصادية المهمة. لكن محللين يقولون إن الإجراءات التي اتخذتها تشير إلى أنها يمكن أن تنزلق إلى المغامرة بتهديد التوازنات المالية من أجل تهدئة الغضب في الجبهة الاجتماعية، ودغدغة مشاعر الرفض التي تلاحقها في كل مكان. وقامت الحكومة بإقرار الشروط الجديدة للحصول على القروض الميسرة، التي تتراوح بين 500 إلى 1500 دولار، بحسب أوضاع الأشخاص الذين يتقدمون للحصول على تلك القروض. ومع ذلك لا تزال تلك البرامج موضع تحفظ من طرف العائلات بسبب هيمنة الحذر من الفوائد الربوية، وعدم جاذبية المشروع في حد ذاته. وفضل موسى راحلي البالغ من العمر 50 عاما، الاعتماد على نفسه وإمكانياته المتواضعة في إقامة مشروعه الصغير المتمثل في العجائن والفطائر التقليدية، التي يكثر عليها الطلب في بعض المواسم مثل شهر رمضان، بدل اللجوء إلى البنك لطلب القرض الصغير، بسبب اعتقاده الراسخ بأن “الإجراءات المطبقة تضيّع الكثير من الوقت وتفضح أسرار العائلات”. وأضاف أنه يعتمد في حياته اليومية منذ سنوات “على الوظائف الموسمية التي تفرضها المناسبات والأعياد، وفي كل مرة يكون أفراد العائلة مشاركين كل من موقعه في أداء دور في تلك النشاطات”. وأضاف أنه خلال شهر رمضان على سبيل المثال، تقوم الزوجة بإعداد الخبز التقليدي في البيت، ويقوم هو بالبيع في سوق عشوائي، ويقوم اثنان من الأبناء بالتداول والتنسيق”. وأشار إلى حذره من القرض بالقول إنه “لو تم طلب القرض لدخلت العائلة في إجراءات وتدابير ووثائق والتزامات، وحتى مساءلات قد تكون محرجة، فضلا على أنها تحمل طابعا ربويا” يعارضها لأسباب دينية. ويرجح متابعون للشأن الاقتصادي الجزائري، أن يكون سقف الاحتياطات المالية من النقد الأجنبي قد سجل انخفاضا جديدا خلال الأسابيع الأخيرة، ولا تستبعد أن يكون قد وصل إلى حدود سبعين مليار دولار، بعدما كشفت حكومة أويحيى خلال شهر سبتمبر الماضي، عن نزوله إلى ما دون نحو 80 مليار دولار. ويرى خبراء اقتصاديون، بأنه رغم تراجع وتيرة التحويلات المشبوهة ومحاولات تقييد فواتير الاستيراد وتنشيط آليات الرقابة في المصارف والمصالح المختصة، منذ انطلاق أحداث الحراك الشعبي، إلا أن بقاء وتيرة الاستيراد على نفس الوتيرة يقلص حظوظ البلاد في تقليص فاتورة الاستيراد إلى مستويات تكفل لها الاقتراب من تحقيق التوازن المالي. ورغم المؤشرات المقلقة لمعطيات الاقتصاد المحلي، إلا أن حكومة بدوي، تسعى بكل الوسائل، إلى تهدئة الجبهة الاجتماعية حتى ولو كان ذلك على حساب التوازنات الاستراتيجية للأوضاع المالية المقلقة في البلاد. ويشير المنتقدون إلى إعلان الحكومة الجزائرية مؤخرا، عن إمكانية العودة إلى استيراد السيارات والمركبات المستعملة من أجل تغطية العجز المسجل في السوق المحلية. وقد فوجئت الأوساط الاقتصادية المتخصصة بإعلان الحكومة عن اللجوء إلى مثل تلك الآلية، رغم ما تنطوي عليه الخطوة من مخاطر على إمكانية انهيار سعر صرف العملة المحلية. وتوقع محللون أن يؤدي ذلك إلى موجة واسعة من الإقبال على شراء العملة الأجنبية من الأسواق الموازية وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من صعوبات في الأسواق المالية. ويبدو أن هناك إجماعا بين الخبراء على أن الحكومة تحاول دغدغة مشاعر المواطنين الجزائريين من خلال الاستجابة إلى مطالبهم القديمة بالتحرر من احتكار فرضته شركات تجميع السيارات والمركبات العاملة في البلاد على المستهلكين وفرض سيارات ذات نوعية متدنية بأسعار باهظة. ويرى الرئيس السابق لجمعية وكلاء السيارات يوسف نباش، بأن تجميع “السيارات في الجزائر، هو أحد أبرز ملفات الفساد الضخمة، التي سوف تحتاج إلى سنوات طويلة وخبرات كبيرة من أجل معالجتها في المستقبل”. واتهم المتحدث في تصريحات صحافية بعض الوزراء السابقين ورؤساء حكومات بأداء دور الأيادي الخفية للتحكم في النشاط وضمان احتكاره من طرف مجموعة مصالح معينة موالية للسلطة. وأشار إلى أن أولئك المسؤولين كانوا جزءا من آليات الفساد التي كانت تكبد الخزينة العمومية أكثر من 6 مليارات دولار سنويا، في شكل ورادات لهياكل وقطع غيار السيارات. وأضاف أن صناعة تجميع السيارات كانت بددت أموالا هائلة من خزينة الدولة بعدما فصلت حكومة عبدالمالك سلال، قانونا يعفي العاملين في قطاع تجميع السيارات من الرسوم الجمركية وضرائب القيمة المضافة والضرائب الأخرى. ويخشى المراقبون من أن تواصل الحكومة اعتماد إجراءات ترقيعية تسقط التوازنات المالية في منطقة الخطر، وتواصل تفادي الاقتراب من جوهر المشاكل العميقة والبيروقراطية التي تتحكم بالاقتصاد.
مشاركة :