تؤسس المبادرة الأردنية بتسجيل جمعية جديدة لـ «الإخوان المسلمين»، وفق قوانين الدولة للعمل العام والتطوعي، لمرحلة جديدة لتنظيم الشأن الديني ووضعه في سياق يلائم أهداف الدولة والمجتمع، ويوقف أو يخفض تحديات الإسلام السياسي. وربما تــكون تجربة تصلح للاقتباس في دول عربية أخرى وبخاصة مصر، بلد المنشأ لظاهرة الإسلام السياسي والقتالي أيضاً! ففي ظل عمل مجتمعي واضح خاضع لسيادة القانون يمكن استيعاب الظاهرة الدينية في سياق تنموي وإصلاحي يوجه دوافع المتدينين إلى تعزيز قدرة واستقلال المدن والمجتمعات وحمايتها من السلطة وتمكينها من المشاركة مع الأسواق والحكومات في إدارة وتنظيم شؤونها ومواردها واحتياجاتها، وفي الوقت نفسه تحرير العمل السياسي والعام بما هو قائم على المواطنة والمصالح والتنافس عليها ومحتاج إلى مشاركة المتدينين وغير المتدينين من الوصاية والاحتكار. قد يكون مبكراً تقييم الفكرة الأردنية الجديدة لتنظيم وتقنين وجود وعمل «الإخوان المسلمين»، ولكنها تبدو طريقاً ثالثاً بين الصراع مع الإسلام السياسي أو مشاركته، وربما تفتح المجال لإعادة النظر في الدور الديني للدولة لتكون المجتمعات شريكاً كبيراً فيه إن لم تكن صاحبة الشأن والولاية. ذلك أن مسؤولية نشوء ظاهرة الإسلام السياسي تتحملها الحكومات كما الجماعات، ففي سعي الحكومات لاجتذاب تأييد المتدينين وحشدهم في الصراع، ساهمت في نمو الإسلام السياسي بل في تضخيم دور الدين في السلطة وفي الحياة العامة واليومية وتحويله إلى أداة هيمنة ومواجهة مع المجتمعات والمعارضات. كانت جماعة «الإخوان المسلمين» في نشأتها وروايتها الملهمة تقول إنها تسعى الى استئناف الخلافة الإسلامية، ولقيت في ذلك تشجيعاً وترحيباً من الأنظمة السياسية في مصر وغيرها من الدول ذات الأنظمة السياسية المحافظة والتي رأت فيها شريكاً في مشروعها الاجتماعي وفي مواجهتها مع التيارات السياسية والاجتماعية الجديدة التي كانت تبدو تهديداً للبنية الاجتماعية والهيكلية للنخب والسلطات. ثم تحولت الجماعة إلى عبء على نفسها وعلى الدول والمنظومة السياسية والاجتماعية. وبالطبع فإن الخيار الأفضل لم يكن المواجهة والاضطهاد، ما ساهم في إنشاء ظاهرة الجماعات القتالية والتكفيرية، وفي تنامي الكراهية والانقسام الاجتماعي، وأسوأ من ذلك هشاشة المجتمعات وعجزها عن حماية وتنظيم شؤونها، واستيعاب الحداثة، ومواجهة أخطار الفقر والتهميش... باختصار وبساطة فإن استيعاب الدوافع الدينية بدلاً من مواجهتها، ومشاركتها في العمل الاجتماعي بدلاً من السياسي تنشئ شراكة بين السلطة والمجتمعات بدلاً من التنافس والصراع، وتجعل الدولة في موقف حياد إيجابي من الدين بدلاً من الدولة الدينية او المعادية للدين، ففي ذلك يتولى المجتمع شأنه الديني مدخراً أموال الضرائب والموارد العامة لأجل احتياجات وخدمات أساسية مثل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، وتتطور قدرات المجتمعات على المشاركة في البرامج والخدمات الاجتماعية لتكون شريكاً إيجابياً مع الدولة وليست متلقياً سلبياً او مهمشاً، ولا تعود الدولة بين خيارين سيئين: الصراع مع المـــتدينين بما يعنــي ذـــلك من هدر وتفتت اجتماعي أو المشاركة السياسية معهم بما يعني من إفساد وتدمير لقواعد المــواطنة والمشاركة السياسية التنافسية القائمة على النسبية وعدم اليقين، أو على الأقل فإنها تحيد «الإخوان المسلمين» والإسلام السياسي عامة، وتحيل الصراع إلى المجتمعات نفسها وعلى أسس من التنافس السلمي الذي يقرر الناس بموجبه الأفضل لحياتهم من دون إضرار بالعقد الاجتماعي المنظم للسلطة والتنافس عليها وتداولها... * كاتب أردني
مشاركة :