الوقت كائنٌ غامضٌ، يُحيّر العقل، ويستنفد الفكر، ولا يفصح عن هويّته. والخريف صورةٌ من صور الوقت المدهشة، التي تلهو بمراصدنا، ويطيب لها العبث بمكنوناتنا. ربما استيقظتَ صباحاً، وأنتَ تشعر بالرضا والانشراح، وما إن يحلّ المساء حتى ينقلب مزاجك، فتأوي إلى وحدتك، وتلوذ بذاتك تُفتّش فيها عن شريك يقاسمك هموماً كانت مستكينةً في زوايا وجدانك زمناً. فحين يبعث حنينك، ويُشعل جذوة الوَله فيك لشيء ربّما أدركتَه أو لم يُفصح قلبك عنْه أو حين يُطوّح بوجدانك في فضاءات غامضة، ويُحرّض مفرداتك على التشكُّل، فتنتظم قلادةً طرّزها شاعر، أو لؤلؤاً منثوراً بين يدي كاتب أو حين يهوى خيالك مطاردة صُورِه، ويختال بجنونه، أو ترغب في معانقة الكون أو حين يشدّك همسُ نجوم ليْله، وتُربكُك عتمتُه، وتهوَى لمسَ القمر أو حينَ يقودُك طفلُك الجميلُ المنسيّ في ركنه المعتم لتشدّ الحبل وتطارد فراشات النّور السابحة في طوفان الظلمة، ثم يجرك نحو جدول الماء الصغير الذي كان يسقي شجيرات المزرعة، فتنزع ثيابك، وتهوي فيه بِلا وَجل أو حين تشعر برفقة خفية تتبعك أينما ذهبت كيلا يعاودك وجعُ الغربة أو حين تستحيل المسافات بينك وبين من تهوى بياضاً، وتهطل غيماتك لتسقي لواعجك حينئذ يكون الخريف حليفاً، أمّا إنْ قادك إلى عكس ذلك فهو خصم فاجر.
مشاركة :