بما أن الحياة أصبحت مشتركة ومعظم طبقات المجتمع واعية وغالبها ينتمي للقبيلة ولهم قيم ثابتة ومثل عليا وشعور بالواجب، فضلاً عن نخبة كبيرة تتمتع بالتفكير العقلاني وتعي حاجته الملحة التي توقظ الاهتمام بالمجتمع والمؤسسات وتصحح الأخطاء الفردية وغيرها، وقال سقراط : (إن عقلك هو الذي يجعل منك إنساناً وهو الذي يمكنك من أن تكون أكثر من مجرد جزء من الرغبات والتمنيات، وهو الذي يجعلك شخصاً متمتعاً باكتفاء ذاتي، ويخوّل لك أن تزعم بأنك غاية ذاتك، ولو فصلنا مقولة سقراط "اعتنوا بأنفسكم" لوجدنا أنها تُعد نداء واسع النطاق للأمانة العقلية). فإذا كان أفضل ما تقدمه للحياة يتجاوز نظرية التطابق من العلم والفهم، ويؤكد قدراتك على التميز بوصفه منفعة ذاتية؛ فعليك التنازل عن الوجه السلبي للحقائق، وتكوين جزء آخر من ماهية الحقيقة، لكي تمضي محاطاً بشمعدان يشع نورا في المساحة القاتمة التي تحيط بالناس وتنتزع القلق من ساعات الانتظار. ولتكن أفكارك سامية تبعث مزيداً من الألق على حياتك وحياة من حولك كنجوم متألقين لا يتعثرون بأخطائهم بل تتضافر مقومات متعددة حتى يصلوا إلى قمة العطاء، فإذا طفا الأرجح على المعقول يظل الشخص يبحث عن موضع قدميه في كل مرة يريد الوقوف فيها؛ لأن في الخفاء أشياء كثيرة لا يستطيع البوح بها لقربه من خطوط الدائرة التي تحيط بالأشياء وتعتبر في المفهوم العام سياسة، وترتبط بموضوعية تبدأ بالأقل وتنتهي بالأكمل، وتنزع إلى إخضاع العقل لأدوات معرفية خالصة بعيداً عن التعقيدات. وكثير من التساؤلات تحقق الاجتهاد والإبداع ولا تنتظر إجابات ذات تجاويف ملونة، لقد أصبحت الحياة كالشمس واضحة لا مكان للألغاز بها، وما كان بالأمس مبهماً اليوم له دلالة واضحة، فالأرض وثقت وجودنا وأفعالنا وأفكارنا فالفرد في المجتمع تجاوز معدل ذكائه العادي والمعهود. إذاً، المطلوب فهم المسائل المجردة وتشديد الحاجة إلى العلم والتعليم وقسط وافر من الطموح والقوة التي تبني العقول قبل الأجساد فمهما كان الواقع مناقضاً إلا أن شيئا ما بالجوار يدعى حقيقة تستوجب الحياة من أجلها. وبعد بحث طويل استغرق زمنا قال روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي: أحب أن أقول إن انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة عناء تخللتها منعطفات كثيرة، حتى وصلت إلى اليقين الكامل، والخلود إلى العقيدة أو الديانة التي تمثل الاستقرار، والإسلام في نظري هو الاستقرار. لقد كرّس هذا المفكر الكبير حياته منذ إسلامه في الدفاع عن الإسلام، وكان لإسلام جارودي دوي هائل في الأوساط الفكرية والثقافية حسبما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة ونال جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1985م عن خدمة الإسلام ودفاعه عن القضية الفلسطينية، وتأليف الكتب رغم المسوغات لتي دارت وتعددت حول عقيدته بعد إسلامه. لاشك أن صاحب هذه المقولة المشهورة (الحياة تطرح المسائل والفلسفة تجيب عنها) يعد مفكرا وسياسيا عاصر عدة حالات سياسية وشخصيات وزعامات عالمية وخاض تجارب كثيرة أثمرت عن كتابه "حوار بين الحضارات" كل مرحلة فيه تمثل مسيرة حول العالم فضلاً عن الكتب التي ألفها عن الإسلام؛ فالحقائق والتجارب دلالة واضحة لمستقبل يسعى له العالم، وثمة كثير يساهم في حصول المعرفة وتمدين الفرد وتأسيس الموضوعية للوعي والإنتاج العلمي، فالحقائق لا تحتاج إلى وسيط أو برهان.
مشاركة :