هنالك الكثير مما يتوجب قوله عن الطبيعة المتغيرة للقوة السياسية والاقتصادية في العالم، وعن مجموعة الأهداف الإستراتيجية التي تحملها بكين، لا سيما في ضوء الحراك الصيني السعودي الخليجي العربي على أعلى مستوياته، ومؤتمر الأعمال العربي الصيني العاشر الذي اختتم أعماله بإطلاق إعلان الرياض الذي تضمن تسعة بنودٍ رئيسة، شملت تعزيز الشراكات الاقتصادية، واستكشاف فرص جديدة للتعاون، ودعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة، وتبادل البحوث والابتكارات العلمية، وتنظيم برامج التأهيل والتدريب لتعزيز رأس المال البشري، وتفعيل التعاون لتحقيق استقرار السوق، والتصدي للتحديات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز التكامل الاقتصادي، وتعظيم مصادر الطاقة المتجددة. في تحليل شامل معمق لهذه الأثناء في مجلس الأعمال السعودي الصيني، بداية من القمم التي أسفرت عن أكثر من 30 اتفاقية في جميع المجالات، وتعمل من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري الشامل، فالصين لا تزال أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط، وهذا يمكنها من الانطلاقة الحقيقية للمشروع الصيني «طريق الحرير» بقوة من الرياض إلى المنطقة العربية والآسيوية وبقية مناطق العالم. ومن بين الأمور التي تشكل محط الاهتمام الصيني أن السعودية مصدر رئيس للطاقة، ومن الدول المنتجة كمزوّد للأسواق الكبرى، وأسباب وجيهة تدفع نحو سوق كبيرة لصادراتِها، وموقع إستراتيجي لتجارتِها. وتهدف الشراكة السعودية الصينية، إلى النهوض بالعلوم والتقنية من خلال توظيف البحث والتطوير لمواجهة التحدِّيات الوطنية والإقليمية والعالمية، والتعاون في تصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية وتطبيقها في مجالات رقمنة الطاقة، والشبكة الذكية، والمُدن الذكية، والتوسع في مجالات التعاون التي تشمل أيضاً الصناعات المتقدمة، وتطوير الأعمال في مجالات جديدة لم يسبق أن تم العمل عليها بشكل مشترك، كما أصبحت المميزات للاستثمار في المملكة العربية السعودية معروفة لدى الشركات الصينية الحكومية والخاصة. الأمر الأكثر أهمية هو مشروع «الحزام والطريق» الممتد من الشرق الأقصى إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، وهو النسخة العصرية من «طريق الحرير»، تلك هي ثمرة الاستنتاجات في النمو والإنجاز، والموقع الجغرافي المتميز للمملكة مكنها من ربط البلدان العربية مع الصين، وهذا المشروع الضخم لتحقيق نهضة شاملة للدول والشعوب وخلق فرص متنوعة وواعدة، في خطوة لزيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين، الذي وصل إلى نحو 430 مليار دولار في العام الفائت، بمعدل نمو 31 في المائة، مقارنة بعام 2021. والتعاون السعودي الصيني مستمر منذ عشرات السنين وازداد التركيز لهذا التعاون بعد زيارة فخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض مع نهاية العام المنصرم، وكان لتاريخ القمم الصينية السعودية والخليجية والعربية خلال الزيارة له تحولاتِ كبيرة على أصعدة كثيرة خلال السنواتِ المقبلة وخاصة مع التقاربِ الصيني السعوديِّ، وزادت من توطيد الروابط بين البلدين في المجالات كافة، سواء السياسية أو الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، والتي تزامنت مع إطلاق أول قمة عربية صينية، وقمة خليجية صينية، وتوقيع كثير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم. كما يعلم الجميع، أن قوة الاقتصاد الصيني يعتبر ثانيا بعد الولايات المتحدة، ووسط توقعات صندوق النقد الدولي بأنه سيحتل المركز الأول عالميا في وقت قريب، مما يجعل من الصين رقما صعبا في عالم الاقتصاد؛ بل إن تلك القوة الإنتاجية الخارقة فتحت المجال أمام هذا التقدم الذي كسر الكثير من القيود بفضل قوته، لذا نحن أمام منجز حضاري صيني قوي فالحضارات القديمة لها إسهامات عظيمة في الشرق الأوسط. لهذا، تتأمل المنطقة مستقبلا آمنا وعلاقات دولية أكثر مرونة ومصداقية، مشروع يترجم الشراكة العريقة والمتقدمة في جميع المجالات الاستثمارية الحيوية بين الدول العربية والصين. وقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان: «هناك كثير من الانسجام بين مبادرة الحزام والطريق ووجهتها وبين وجهاتنا ورؤية 2030» و: «ليس علينا المشاركة فيما نسميه المعادلة الصفرية، وليس علينا أن نواجه أي خيارات، إما أن تكون معنا أو مع غيرنا، نحن مع الجميع ونعمل مع الجميع».
مشاركة :