ربما هي من المرات النادرة -إن لم تكن المرة الأولى- التي تطرح في الساحة الثقافية السودانية آراء غير نقدية حول عمل أدبي، هذا ما حدث مع رواية شوق الدرويش للكاتب حمور زيادة، إذ تناولها بالنقد كتاب سياسيون وأكاديميون لم يعرف عنهم تناول الأعمال الأدبية. ما جعل هذا ممكنا هو السؤال حول الرواية وعلاقتها بالتاريخ، وهل من حق الروائي كتابة تاريخ موازٍ للتاريخ القديم، أم أن الخيال هو المرتكز الأول في بناء الرواية. وهذا ما دفع ذوي الشأن من المختصين لتناول هذه الرواية خلال ندوتين شهدتهما العاصمة الخرطوم، كانت الندوة الأولى في منتدى دال الثقافي حول الرواية وأبعادها التاريخية والسردية، شارك فيها الروائي والناقد عيسى الحلو بورقة تناولت الرواية والأسئلة التي أثارتها. يقول عيسى الحلو لا أهتم إلا بدراسة النص، ولا يهمني من قريب أو بعيد ما يقال خارج النص من تأويل للتاريخ أو تأويل للسرد وفق آراء مسبقة لكتاب أو نقاد، ويضيف ليس هنالك رواية تاريخية، توجد رواية تخييل تاريخي، لافتا إلى أنه يمكن النظر إلى هذه الرواية من عدة وجهات نظر. وذهب الكاتب الصحفي فيصل محمد صالح إلى أن من العبث التعامل مع الرواية ككتابة تاريخية، ومع السارد كمؤرخ، مؤكدا أن ما دار من لغط حول تشويه الرواية للتاريخ يخرج بالرواية من حيزها السردي ولا يصل بالقراءة إلى رؤية بل إلى تشظٍّ وتبادل للاتهامات هنا وهناك. الرواية نفسها كانت محور ندوة أخرى أقامها الاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين، وكان الفاصل بينها وبين الندوة الأولى يوما واحدا، مما أثار كثيرا من الأسئلة حول الدوافع في قراءات متعددة لهذه الرواية. وتقول مشاعر شريف الأستاذة الجامعية ورئيسة النادي السوداني للكتاب في ندوة السرد والنقد، إن التركيز على الجانب التاريخي لرواية شوق الدرويش قد أثر ضمنيا على تناولها السردي مما أخل بالعملية النقدية وأخرجها من سياقها إلى سياقات أخرى لا علاقة لها بالرواية، وأضافت مشاعر أن الكاتب لم يسع إلى تشويه التاريخ بل كان بعيدا عن الأحداث، راويا لها دون تدخل مباشر أو انحياز إلى شخصية داخل الرواية. بينما ذهب الناقد والباحث د. عز الدين ميرغني إلى أن استلهام الرواية لتاريخ الدولة المهدية في السودان لم يخرج عن قصدية وأيديولوجيا فكرية، مما أخل بالسياق العام للرواية وأثار كل هذه الأسئلة، وأضاف أن الكاتب اختبأ وراء الراوي العليم وقال ما أراد قوله، وأفرغ رؤاه السالبة مع محاولته لنقد العصر الذي عاشت فيه هذه الشخصيات بحيثيات مسبقة مما أخل بالسرد وحوله إلى محاكمة من طرف واحد. واعتبر ميرغني أن هذا تأويل لحقبة من حق الناقد أن يتناولها بالزاوية التي يراها، ليس لعظمة الرواية ولكن لخوضها في طريق واحد من أجل رؤية أحادية لقراءة ذلك التاريخ، واختتم بالقول إن الحيثيات التي اعتمدتها الجهة المانحة جائزتها للرواية تؤكد الانحياز الأيديولوجي ضد الفترة التاريخية التي تناولتها هذه الرواية. صراع الأيديولوجيا ورأى الأستاذ الجامعي والناقد الأدبي الدكتور مصطفى الصاوي -في حديث للجزيرة نت- أن الكاتب حمور زيادة أعاد بناء حقبة من الماضي على نحو تخييلي، وتداخلت في النص شخصيات تاريخية معروفة وأخرى متخيلة، مشيرا إلى أن الحضور المكثف للمادة التاريخية لا يعني بأي حال من الأحوال أن الكاتب يلعب دور المؤرخ، ولا يمكن النظر إلى هذا العمل إلا باعتباره رواية تستفيد من وقائع تاريخية، وأضاف الصاوي أن ما ورد من إشارات سالبة بفكرة تاريخية معينة وسياسية لا يمكن النظر إليها إلا من خلال وضعها في إطار صراع الأيديولوجيات داخل الرواية. ومن جهته أكد الناقد والكاتب المسرحي الأنور محمد صالح أن الكتابة السردية يجب محاكمتها فنيا بشروط السرد من لغة وشكل وطرائق وتقنيات، وأن رواية شوق الدرويش قد أعادت قراءة التاريخ بشكل متمرد مستخدمة منهج الشك. مما يجدر ذكره أن رواية شوق الدرويش كانت قد فازت العام الماضي بجائزة نجيب محفوظ للرواية، وتم اختيارها في القائمة القصيرة لجائزة البوكر. وقد صدر للكاتب حمور زيادة من قبل مجموعتان قصصيتان هما سيرة أمدرمانية والنوم عند قدمي الجبل بجانب رواية بعنوان الكونج.
مشاركة :