أكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أنه لا شك أنَّ "المجتمعَ المدنيَّ"، أو ما يُعرفُ بـ "منظمات المجتمع المدنيّ" شريكٌ أساسيٌّ في أيّ مجتمعٍ، لا يمكنُ إغفالُ دوره المُهمّ في تنمية المجتمعات وتطوّرها.وأضاف المرصد في تقرير له، أنَّ ظهورَ التطرّف في أيّ مجتمعٍ هو مسئوليّةُ المجتمعِ بأكمله، وليس مسئوليّةَ مؤسسةٍ أو جهةٍ بعيْنِها؛ لذلك لن تكونَ معالجتُه مسئوليّةَ مؤسسةٍ بعينها أيًّا كانت قوتها ومكانتها، إنَّما هو مسئوليّةُ المجتمع كلّه، يتطلَّبُ تكاتفَ جميع أفراده ونُخَبِه، وجميع مؤسّساته وهيئاتِه التي من بينها "منظّماتُ المجتمع المدنيّ".وسلط المرصد، الضوء على الدور الذي يمكنُ لمنظّمات المجتمع المدنيّ أن تلعبَه في مجال "مكافحة التطرّف"، إذ يستطيعُ "المجتمعُ المدني" بجميع منظّماته أن يُعظّمَ من فكرة العمل التطوّعيّ، ويُعلِيَ من شأنها، ويُبرزَ أهميتَها لدى الأفراد والجهات في المجتمعات المختلفة، ويقضيَ على اللامبالاة والسلبيّة السائدتيْن تجاه العملِ التطوّعيّ لدى كثيرٍ من المواطنين.وأشار إلى أنه يستطيعُ المجتمعُ المدنيُّ تشجيعَ تلاميذ المدارس المختلفة وطلاب الجامعات المختلفة والشباب من الجنسيْن، من المسلمين وغيرهم على المشاركة في العمل الخيريّ والتطوّعيّ؛ كي يوفّرَ لهم مجالاتٍ مناسبةٍ تستوعبُ طاقاتِهم الشبابيّة، وتحفظُهم من فيروس العُنف والتطرّف؛ فالأعمالُ الخيريّة والتطوّعيّة تغرسُ في نفوس الأطفال والشباب منذ الصغر تحمُّلَ المسئوليّة تجاه الآخر، وحبَّ الخير للجميع، كما تمنحُهم الفرصةَ للتعارف والحوار القائميْن على أُسُسِ التنوّعِ والتكامُلِ والاختلافِ في إطارٍ من التسامح، وتُقوّي لديهم فكرةَ الأخوة الإنسانيّة، وتُشعرهم بالمسئوليّة المجتمعيّة وأنَّهم جزءٌ من المشروع الإنسانيّ كلّه، يتأثّرون بما يَحلُّ به من مشاكلَ، وأنَّهم جزءٌ أيضًا من الحلّ، وليسوا فقط مجرد أعضاء في المدرسة أو الجامعة التي يتعلّمُون فيها، أو المدينة أو القريةِ التي يعيشون فيها.وأوضح أن العملُ الخيريُّ والتطوّعيُّ يُخرجُ الشبابَ من إطار الماديّةِ الطاغية، الذي طغى على كلّ شيءٍ في عالمنا المعاصر، ومِنْ ثمَّ يتعوّدُ الطفلُ والشابُّ على أنَّ هناك الكثيرَ من الأعمال والواجبات التي ينبغي أن يقومَ بها دون الحصولِ على مقابلٍ ماديّ، وهنا تتربَّى فيه صفةُ العطاءِ والتسامح.وتابع: لا شك أنَّ الجهلَ من أهمّ أسباب التطرّف والوقوع في براثن الجماعاتِ المتطرّفة، وخصوصًا تنظيم داعشَ الإرهابيّ الذي فتح أبوابَه أمام الجميع دون النَّظر إلى مستوى علميٍّ أو دينيٍّ مُعيَّنٍ، فالفيْصلُ عند التنظيمِ هو مبايعةُ زعيمِه "أبو بكر البغدادي"، ومن هنا تأتي أهميّةُ التعليمِ وغرس حبِّ القراءة والاطّلاع والتفكير النقديِّ القائمِ على إِعمالِ العقل فيما يُقرأ ويُسمع لدى الأفراد والمجتمعات خصوصًا الشباب.ويستطيعُ المجتمعُ المدنيُّ أن يلعبَ دورًا كبيرًا ومُهمًّا في محاربة الجهل ومحو الأميّة بالتعاونِ مع المدارس والجامعات، وتشجيع طلاب الجامعات خصوصًا طلاب كليّات التربية على عمل بحوثٍ ميدانيّةٍ ومشاريعَ تَخَرُّجٍ في مجال محو الأميّة وتعليم الكبار. وقديمًا كان محوُ الأميّة من الأنشطة والمجهودات التطوّعيّة التي يقومُ بها الطلاب والمدرسون والموظفون؛ لتوظيف طاقاتهم وشغل أوقات فراغهم.كما يستطيعُ المجتمعُ المدنيُّ بالتعاون مع المتخصصين من المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف - القضاءَ على "الأميّة الدينيّة" لدى البعض، والتي تُعدُّ من أهمّ أسباب التطرّف، وانتهاج العنف والإرهاب؛ لأنَّ الفهمَ الخاطِئَ أو التفسيرَ الخاطِئَ لنصوصنا الدينيّة الغنيَّة والثريَّة يُمثّلُ عامِلًا مشتركًا عند جميع التنظيمات المتطرّفة، ويعتمدون عليه في استقطاب الشباب؛ لذلك ينبغي إعدادُ مشاريعَ ومبادراتٍ خاصةٍ بالتوعيّة الدينيّة، يُنَظّمُها المجتمعُ المدنيُّ، ويُرَوّجُ لها الإعلامُ، ويُستعانُ فيها بعلماءِ الأزهرِ الشريف. وقال المرصد، إنَّ المشاركةَ في العمل الخيريّ والتطوّعيّ في الصِغرِ جزءٌ مُهمٌّ للوقاية من التطرّف في المستقبل، وعاملٌ مساعدٌ للشباب على تقويةِ الانتماء؛ لذا ينبغي على منظمات المجتمع المدنيّ – وكذلك المساجد والكنائس والمدارس والجامعات ومراكز الشباب ومعسكرات الكشافة- تشجيعُ الأطفالِ والشبابِ وتدريبهم على المشاركة في العمل الخيريّ والتطوّعيّ؛ وبذلك نكونُ قد ضربنا بسهمٍ في مساعدة الفقراء والمحتاجين ولبَّيْنَا جزءً من احتياجاتهم، ومن ناحيةٍ أخرى نغرسُ في نفوس شبابنا القِيَمَ الدينيّةَ والإنسانيّةَ الكفيلةَ بحمايتهم من أصحاب الفكر المتطرّف.
مشاركة :