دور الرئيس جيمي كارتر في السياسة الأمريكية (2-2)

  • 5/23/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كانت الحقوق المدنية من أولويات كارتر فقد قام بتوسيع عدد موظفي الدولة من السود ووضعهم في حقل القضاء وجعل منهم أعضاء في مجالس الإدارات واستعان برينا جاكسون سامويلز وهي امرأة سوداء لتقديم المشورة له بشأن التعيينات المحتملة في جورجيا. وفي تاريخ 12 ديسمبر عام 1974م في نادي الصحافة الوطني في واشنطن العاصمة أعلن كارتر ترشحه لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تضمن خطابه عدة موضوعات من بينها عدم المساواة الداخلية ووعد بالتغيير، وفي هذا الوقت اعتبر كارتر عند دخوله الانتخابات التمهيدية الرئاسية ممثلا للحزب الديمقراطي أن لديه فرصة ضئيلة ضد سياسيين معروفين على المستوى الوطني، ووفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب في يناير 1976م اعتبر كارتر الخيار الأول لـ 4% فقط من الناخبين الديمقراطيين، ولم يكن كارتر متقدما على باقي المترشحين المتنافسين في الحزب الديمقراطي للرئاسة الأمريكية، في هذه الأثناء كانت فضيحة ووترغيت لا تزال حية في أذهان الناخبين، وهذا ما دعم كارتر في حملته الانتخابية التي روّجت لإعادة تنظيم الحكومة، وطرحت السؤال التالي: لماذا لا يكون كارتر هو الأفضل؟ وترك هذا السؤال أثرا إيجابيا واضحا في نفسية الجمهور الأمريكي نحو كارتر. لقد أشار لورنس شوب في كتاب له عام 1980م بعنوان «رئاسة كارتر وما بعده»: «أن ما فعله كارتر هو انه استطاع الحصول على دعم قطاعات النخبة في وسائل الإعلام الجماهيري حيث كانت التغطية التي حكم بها كارتر وأعضاء حملته مواتية من حيث إنها أعطته ميزة دفعته إلى صعود صاروخي في قمة استطلاعات الرأي ما ساعده على الفوز بانتصارات بارزة في الانتخابات، وهذا ما مكنه من الارتفاع من شخصية عامة غامضة إلى الرئيس المنتخب في فترة قصيرة جدا». وقال كارتر في أبريل عام 1976م أثناء حملته الرئاسية: «ليس لدي شيء ضد مجتمع يحاول الحفاظ على نقاء أحيائه العرقية». وكانت فترة رئاسة كارتر استمرارا لفترة التضخم والركود فضلا عن أزمة الطاقة، وكان من بين أولى أعماله الوفاء بوعد قطعه على نفسه أثناء حملة الرئاسة وهو إصدار أمر تنفيذي يعلن العفو غير المشروط عن المتهربين من حرب فيتنام. كما حاول اثناء رئاسته تهدئة النزاعات المختلفة حول العالم، بشكل خاص وأكثر وضوحا في منطقة الشرق الأوسط بين العرب واليهود عندما استطاع توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن، واتفاق يعيد قناة بنما إلى بنما، وتوقيع معاهدة الحد من الأسلحة النووية (SALT 11) مع الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف، وقد واجه كارتر في سنته الرئاسية الأخيرة أزمة الرهائن الأمريكية في إيران، والتي اعتبرت العامل الرئيسي الذي أسهم في خسارته في انتخابات عام 1980م أمام رونالد ريجان. بعد وقت قصير من خسارته في الانتخابات الرئاسية لعام 1980م ابلغ كارتر الفريق الصحفي بالبيت الأبيض عن نيته محاكاة تقاعد الرئيس هاري ترومان في عدم استخدام حياته العامة اللاحقة لإثراء نفسه، وفي عام 1982م أسس كارتر «مركز كارتر» وهو منظمة غير حكومية وغير ربحية تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان وتخفيف المعاناة الإنسانية، بما في ذلك المساعدة في تحسين نوعية الحياة للناس في أكثر من 80 دولة. في أكتوبر عام 2017م دافع كارتر عن الرئيس دونالد ترامب في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز عندما انتقد تغطية وسائل الإعلام له، وقال: «أعتقد أن وسائل الإعلام كانت أكثر تهجما على ترامب من أي رئيس آخر عرفته» كما امتدح ترامب لتواصله مع المملكة العربية السعودية وذكر أن الرئيس ترامب كان أكثر صرامة من أسلافه في هذا التوجه. وبالمقابل وبعد هذه المقابلة أشاد ترامب بنفسه بتصريحات كارتر وشكره من خلال حسابه على تويتر، وقال في هذا التعليق: «قرأت فقط التعليقات اللطيفة من الرئيس جيمي كارتر عني وعن مدى سوء معاملتي من قبل الصحافة، شكرا لك يا سيادة الرئيس». ويعمل كارتر كرئيس فخري لمشروع العدالة العالمية، مع الاستمرار في تعليمه في مدرسة الأحد في كنيسة مارانثا المعمدانية. على الرغم من ان كارتر كان معارضا شديدا للإجهاض إلاّ انه أيد الإجهاض المقنن، ولم يدعم قرار زيادة التمويل الفيدرالي لخدمات الإجهاض، ما دفع الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية من انتقاده لعدم قيامه بما يكفي لإيجاد بدائل لهذا الموضوع. كذلك أبدى كارتر معارضته الشديدة لعقوبة الإعدام التي عبر عنها خلال حملاته الرئاسية. وفي محاضرته لتسلم جائزة نوبل حث كارتر المجتمع الأمريكي على حظر عقوبة الإعدام، ودعا إلى تخفيف أحكام الإعدام على العديد من نزلاء السجون المحكوم عليهم بالإعدام. وضمن آراء كارتر حول بعض القضايا المهمة في المجتمع الأمريكي. وكان يؤيد فرض حظر على انتشار الأسلحة الهجومية، وقد أشعل كارتر جدلا عام 2009م عندما قال: «أعتقد أن قسما كبيرا من العداء الواضح تجاه الرئيس باراك أوباما يرجع إلى حقيقة انه رجل أسود، وانه أمريكي من أصل إفريقي». كما انتقد عمليات التعذيب في سجن خليج جوانتانامو قائلا انه: «يتعارض مع المبادئ الأساسية التي قامت على أساسها هذه الأمة». في 20 يناير 2017م وفي عمر 93 أصبح كارتر أقدم رئيس سابق يعيش لحضور حفل تنصيب رئاسي، ويمتاز أيضا بامتلاك أطول منصب حاليا بعد الرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، كما يُعَد الآن ثاني رئيس أطول عمرا في التاريخ بعد جورج بوش الأب، الذي ولد قبل كارتر بـ 111 يوما، ومع وفاة بوش الأب في 30 نوفمبر عام 2018م سيصبح كارتر الرئيس الأطول عمرا. وقد اتخذ ترتيبات ليتم دفنه أمام منزله في بلينز، جورجيا، وأشار كارتر عام 2006م إلى انه تم التخطيط لإقامة جنازته في واشنطن العاصمة ضمن موقع مركز كارتر. في كتاب له صدم الإسرائيليين عند صدوره بعنوان «فلسطين سلام لا عنصرية»، يشمل تقييما لما يجب عمله لتحقيق سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، بعد نجاحه في إقناع مصر وإسرائيل بإبرام معاهدة كامب ديفيد قبل سبعة وأربعين سنة، معتمدا على علاقاته المتوازنة مع جميع أطراف الصراع في الشرق الأوسط، وقام بزيارات عديدة للأراضي المقدسة آخرها إشرافه ومراقبته على الانتخابات الفلسطينية عام 2005م. لقد فاجأ هذا الكتاب الإسرائيليين الذين روعوا لصدوره، والذي يتحدث فيه كارتر بصدق وحسن نية حول ما يجري من قمع للفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي والمدنيين اليهود في الأراضي المحتلة واعتبر هذه الأعمال بمثابة أسوأ من ممارسات النظام العنصري البائد في جنوب إفريقيا، معتبرا القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة ملكا للفلسطينيين وهذه القضية غير قابلة للإنكار أو الطعن فيها، وبهذا الرأي فإن كارتر كان موضوعيا وصادقا ويقول الحق لذا وصفته الدوائر الصهيونية بأنه معاد للسامية. لقد كان اعتقاد كارتر كما صرح به في مقابلات صحفية أعقبت صدور الكتاب، ان هذا الكتاب متوازن وانه يريد من المجتمع الأمريكي ان يناقشه بمنتهى الصراحة التي يناقش فيها القضايا الأخرى، حتى يستوعب المجتمع ما يجري في فلسطين من أحداث. وَرَدَ في كتاب كارتر شرح لتطورات القضية الفلسطينية بعد رفض التقسيم عام 1947م، وهزيمة العرب في حرب عام 1948م، واستيلاء إسرائيل على 77% من فلسطين، واستعرض في كتابه هذا قيام منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م، وحرب عام 1967م واستيلاء إسرائيل على سيناء والضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان، وعن الهجرة الجديدة للفلسطينيين باتجاه دول الجوار، كما ذكر أحداث أيلول الأسود عام 1970م وانتقال العمل الفلسطيني المسلح إلى لبنان. كذلك ألقى كارتر في كتابه الضوء على معاناة اليهود وتجاربهم التاريخية المريرة. ولكنه أكد بما لا يقبل الشك أنه منذ ان حرر صلاح الدين القدس عام 1187م وحتى الحرب العالمية الأولى عام 1914م، كانت فلسطين تحت حكم المسلمين من دون منازع، في الوقت نفسه اعترف بأن اليهود عانوا قرونا من الألم في كل الدول الأوروبية وان زعماء هذه الدول المسيحية قاموا بقتل وتشريد اليهود القاطنين في بلدانهم، بل أكد ان حياة اليهود في الدول الإسلامية كانت أفضل حالا من حياتهم في الدول الأوروبية في أغلب الأحيان. كذلك المسيحيون في العالم الإسلامي عوملوا أفضل مما عوملوا به في أماكن أخرى غير مسيحية. وفي النهاية خلص كارتر في كتابه هذا إلى ان مفتاح المستقبل الإسرائيلي ليس موجودا في خارج إسرائيل بل داخلها وان حوارا يجب أن يدار داخل إسرائيل لتشكيل مستقبل حياة الإسرائيليين وهو الذي سيشكل آفاق السلام في الشرق الأوسط وربما في العالم كله. https://halbinfalah.wordpress.com

مشاركة :