يبدو لبنان مع التعثّر المتمادي في إنجاز مشروع موازنة 2019 وكأنه يمارس «سياحة رقْمية» عبر الجلسات المتوالية للحكومة التي يكاد «الشَغَب» السياسي أن يضعها أمام «وليمة مسمومة» من أرقام مدجّجة بحساباتٍ سلْطوية تشي بمضاعفات بالغة السلبية ما لم يتم تدارُكها سريعاً.وفيما العالم يمْضي في «حبْس الأنفاس» مع وقوف الولايات المتحدة وإيران وجهاً لوجه على امتداد المنطقة و«العين الحمراء» الخليجية بإزاء التحرّشات الإيرانية التي ستحضر بقوة في القمتين الخليجية والإسلامية في السعودية، يستمرّ لبنان بـ «دفن الرأس» في مناقشات موازنةٍ لـ«نصف سنة» وُلدتْ «مع وقف التنفيذ» بعدما «احتجزتْها» مناكفاتٌ ذات أبعاد ما فوق سياسية وتضمر إشارات برسْم المجتمع الدولي هي أقرب الى تقديم أوراق اعتماد ممّن يريد أن يظهر على أنه «عرّاب» و«بوليصة التأمين» لـ «مرحلة سيدر» و... ما بعد بعد سيدر.وهذا البُعد تحديداً هو الذي ترى أوساطٌ مطلعة في بيروت عبر «الراي» أنه أساسيّ في محاولة فهْم حقيقة ما يتحكّم بمسار مناقشات الموازنة التي تُستكمل اليوم في جلسة تحمل الرقم 19 والتي باتتْ أسيرةَ الاستقطاب الحاد بين وزير المال علي حسن خليل الذي أعلن «الموازنة خلصت (انتهتْ) وبين وزير الخارجية جبران باسيل الذي يصرّ على أنها «بتخلص بس تخلص» في معرض إصراره على إدراج تعديلات في متن الموازنة يرى أنها تتيح خفْض العجز من 7.6 كما رستْ عليه الأرقام حتى الساعة إلى 7 في المئة.وشكّلت الساعات الفاصلة عن جلسة اليوم فسحةً لمحاولة سكب مياه باردة على المناخات التي سادت مداولات الأربعاء في الاجتماع الوزاري المصغّر كما في جلسة مجلس الوزراء، من دون أن يَظْهَرَ في الأفق ما يشي بأنّ جلسة اليوم ستحمل «الترياق» لبتّ هذا الملف الذي يبدو عالقاً بين حدّيْ التصويت «المُكْلِف» عليه والذي من شأنه أن يشكّل نكسة كبيرة للحكومة ولصورتها أمام المجتمع الدولي، وترْكه « فريسة» مزايدات يُخشى أن تتحوّل معها المداولات الى ما يشبه «برج بابل».وإذ كانت الأنظار شاخصة الى الاجتماع الاستثنائي الذي عقده بعد ظهر أمس «تكتل لبنان القوي» والكلمة التي ألقاها بعده باسيل وتطرق فيه إلى ملف الموازنة وموقفه منها، فإن محطة «او تي في» (التابعة للتيار الحر) كانت أعطت إشارة مبّكرة إلى ذهاب التيار أبعد في بقائه على مقاربته لمشروع الموازنة الذي يرفضه بصيغته الحالية ويضغط لتضمينه المزيد من الإجراءات لتأمين إيرادات إضافية ورؤية اقتصادية يفتقدها.ففي ردّ ضمني على الوزير خليل و»تصويبٍ» غير مباشر على فريق الرئيس نبيه بري، أعلنت «أو تي في» في إشارة الى الموازنة «بتخلص بس تخلص»، معتبرة أن ما يقوم به فريق التيار في الحكومة هو «مقاومة ثلاثين عاما من النهب المنظم». ولمّحت الى ان جلسة اليوم لن تكون الأخيرة بقولها «الموعد المقبل الجمعة، وإن لم يكن الجمعة، فالاثنين أو الثلاثاء وربما أكثر، لأن عامل الوقت لن يكون ضاغطاً هذه المرة (...)».في المقابل كان خصوم باسيل يتهمونه عبر إغراقه المناقشات باقتراحات في «ربع الساعة الأخير»، بينها معاودة طرح التدبير الرقم 3 في المؤسسة العسكرية والمطالبة بتخفيضات جديدة لموازنات كل الوزارات وخفض الرواتب العالية، بأنه يريد الظهور بمظهر المُمْسك «بالإمرة» في الحكومة التي قابل رئيسها سعد الحريري بعض اقتراحات وزير الخارجية بسؤال «بدّك تعمل ثورة اجتماعية»؟وعلى وقع هذا الاصطفاف، اندفع وزير المال في خطوة بدت في سياق «شد الحبال» مع باسيل وتأكيد خليل أن «موازنة 2019 انتهت»، إذ أصدر تعميماً أمس إلى الوزارات والإدارات حول البدء بإعداد مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2020 «والذي من المرتقب أن يبدأ نقاشه الأسبوع المقبل».ورغم الطابع الإشكالي لخطوة خليل، فقد تعاطتْ بعض الأوساط مع التعميم الذي أصدره على أنه، قد يشكّل بحال هدأت «الرؤوس الحامية»، السلّم لـ«نزول الجميع عن الشجرة» بحيث تكون موازنة 2020 الوعاء لاستكمال نصاب الإصلاحات والتخفيضات الإضافية على طريقة «الجرعات» باعتبار أن المطلوب تحقق تجاه الدول المانحة برقم عجز الـ 7.6.
مشاركة :