بوادر نفاد صبر الجيش الجزائري إزاء الحراك الشعبي

  • 5/25/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فشلت الإجراءات الاستثنائية التي طبقتها الأجهزة الأمنية في منع الجزائريين من الخروج للاحتجاج ضد السلطة في جمعتهم الرابعة عشرة منذ انطلاق الحراك الشعبي، ورغم حملة التضييقات والاعتقالات التي طالت العشرات من الناشطين منذ ساعات الصباح الأولى، إلا أن نفس القوات اضطرت للانسحاب من مواقعها عند الزوال تحت ضغط المتظاهرين. وأعطت أجواء الحذر والخوف التي خيمت على بعض شوارع وساحات العاصمة الجزائرية، في الساعات الأولى من صباح أمس، بأن القيادة العسكرية باعتبارها الحاكم الفعلي للبلاد منذ تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة، قد استنفدت صبرها تجاه الحراك الشعبي، وأنها بصدد تغيير المعادلة الميدانية عبر آليات القمع والتضييق. وساهمت حملة الاعتقالات التي طالت العشرات من الناشطين، في الساعات الأولى من صباح الجمعة، والإجراءات الأمنية الدقيقة في بعض شوارع وساحات العاصمة، في إذكاء أجواء من الخوف والحذر، من تحول مفاجئ في موقف السلطة العسكرية تجاه الاحتجاجات السلمية للجزائريين ضد السلطة. وذكر شهود عيان لـ”العرب” بأنه وفضلا عن الحواجز الأمنية المكثفة التي ألفها الجزائريون عشية كل يوم جمعة على مداخل وتخوم العاصمة، من أجل الحيلولة دون دخول أعداد كبيرة إليها، وحظر نشاط النقل العمومي كالقطارات والمترو، وغلق بعض الأماكن العمومية، فإن سيارات ومركبات تحمل لوحات ترقيم من مدن غير العاصمة منعت من الدخول. واستنكرت جبهة القوى الاشتراكية، حملة الاعتقالات التي طالت عددا من الناشطين في الحراك الشعبي، واعتبرتها مساسا بالحريات المكرسة في الدستور الذي تتمسك به القيادة العسكرية. وذكر بيان للحزب بأن “قائد أركان الجيش الجنرال أحمد قايد صالح الذي لا يريد أن يسمع الحديث عن أي مرحلة انتقالية ويرفض مطلب وشرط تغيير النظام جذريًا، يتمسك بخطة خاصة به للحفاظ على الانتخابات الرئاسية، ويعتبر أن الشعب الجزائري الثائر لا يعي التحديات السياسية الحالية، وهو لا يزال يعمل على قمع المتظاهرين وإغلاق ساحات التظاهر والاحتجاجات، ليعود اليوم عن طريق خطاب آخر ويقول بأنه لا يملك الطموحات السياسية”. وأضاف “الوضعية جد خاصة وعلى أهبة الانفجار وهي تتطلب إحساسا كبيرا بالتضحية والالتزام بحماية الوطن، وبتماطل قائد أركان الجيش، يوقع نفسه أكثر فأكثر في تناقضات أصبحت مزعجة.. ففيما يستمر التعنت، تتصاعد الثورة السلمية من خلال المسيرات اليومية، التي يشارك فيها كل أطراف المجتمع من الطلاب والمحامين والأطباء والمسؤولين والمنتخبين المحليين”. ولفت إلى أن “الجزائريين قد قرروا رفض أي تلاعب وأي مناورة سياسية أخرى تقف أمام تصميمهم على فرض خياراتهم، التي تتسم بالوطنية والوعي السياسي المتزايد، وأن قيادة الأركان العامة للجيش ليس لها الحق في تجاهل ومعارضة المطالب المشروعة للملايين من الجزائريين إلى أجل غير مسمى”.واضطرت قوات الأمن التي طبقت إجراءات مشددة على العاصمة، واستقبلت تعزيزات غير مسبوقة، إلى الانسحاب من مواقعها، تحت ضغط المتظاهرين الذين استجمعوا قواهم بداية من ساعات الزوال وإلى غاية توقيت قريب من موعد الإفطار، حيث استعاد عشرات الآلاف منهم المبادرة في شوارع وساحات العاصمة. وذهب المحامي والناشط الحقوقي مقران آيت العربي، أبعد من ذلك، لما اتهم قوات الأمن بممارسة سلوكات تمييزية منافية للقانون ولحقوق الإنسان، عندما قامت بتجريد الناشطين من الرايات ذات البعد الأمازيغي، ومنعت على بعضهم الدخول إلى العاصمة. وذكر في تصريح صحافي بأنه “من حق الشعب أن ينظم المسيرات السلمية وأن يتنقل عبر التراب الوطني بكل حرية ولكن اليوم قامت مصالح الأمن بمنع الدخول إلى الجزائر العاصمة وحاولت احتلال الشوارع والساحات بقوة فاقت الأسابيع السابقة، كما قامت بنزع رايات الأمازيغية قصد الاستفزاز، وتم إيقاف العشرات من الأشخاص واقتيادهم إلى مراكز الأمن”. وأضاف المتحدث “أن القمع دليل الضعف والارتجالية وانعدام رؤية واضحة للاستجابة لمطالب الثورة السلمية”. وأدان المحامي والناشط السياسي مصطفى بوشاشي ممارسات التضييق على المتظاهرين والمبالغة في الإجراءات القمعية مقارنة بالمسيرات الشعبية المنتظمة طيلة الـ13 جمعة. وشدد على أن “الأعمال القمعية والتعزيزات الأمنية، دليل على أنه لا توجد نية صادقة للذهاب إلى تحقيق مطالب الشعب”. وفيما منعت السلطات الإدارية في محافظتي عنابة والمسيلة الترخيص لكل من رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، والمحامي مصطفى بوشاشي والناشط السياسي سمير بلعربي، من تنظيم محاضرات وحتى من تنظيم إفطار جماعي في بحر هذا الأسبوع، جدد المحتجون نهار الجمعة في العاصمة ومختلف مدن البلاد، مطالب الرحيل الجماعي للسلطة، وضمت قائد الأركان والجنرالات المقربين منه إلى لائحة “العصابة”، بينما شددت لافتات على الطابع السلمي ولتلاحم الجيش والشعب. وجاءت أطوار الجمعة الـ14، في خضم فشل منتظر للمؤسسات الانتقالية، المدعومة من طرف العسكر، في تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد في الرابع يوليو المقبل، وهو مؤشر قوي على إفلاس السلطة السياسية والعسكرية التي استخلفت نظام بوتفليقة، وعلى عجزها عن مقاومة ضغط الشارع المتواصل منذ ثلاثة أشهر. وبانقضاء نهار اليوم السبت، تكون المهلة القانونية التي حددها القانون لاستقبال هيئة المجلس الدستوري لملفات المترشحين للاستحقاق الرئاسي، قد انقضت هي الأخرى، وفي ظل عدم تقدم أي شخصية بملف الترشح لحد الآن، لا يستبعد أن تسجل الجزائر سابقة سياسية ودستورية، تتمثل في موعد انتخابي دون مترشحين، مما يعني إلغاءه والدخول في مرحلة جديدة بكل ما تنطوي عليه من جدل ومخاطر.

مشاركة :