ألمح رئيس الأركان الجزائري الجنرال قايد صالح في كلمة جديدة له الخميس، إلى إفشال المؤسسة العسكرية لمؤامرة المساس بأمن واستقرار الجزائر، ودون أن يشير إلى الجهات التي تقف وراء ذلك، وهو ما بدا بمثابة محاولة لإثارة مخاوف الجزائريين بهدف إخماد الحراك الشعبي الذي صعد من مطالبه في اتجاه رحيل كل النظام لا الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فقط. وقال قايد صالح “إن ما حققه ويحققه الجيش الوطني الشعبي من نتائج مرضية على مستوى حدودنا الجنوبية الشرقية، على غرار بقية حدودنا الوطنية الأخرى، بل وعلى مستوى كافة ترابنا الوطني، هو وليد رؤية شاملة لمفهوم الأمن الذي تتبناه القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي”. وأشرف قائد أركان الجيش خلال هذا الأسبوع على مناورات عسكرية بالذخيرة الحية، في الناحية العسكرية الرابعة بورقلة، وتم استعراض عمليات ميدانية في الشريط الحدودي المتاخم للتراب الليبي (عين أم الناس)، في رسالة تؤكد قدرة الجيش الجزائري على حماية حدوده من اختراقات محتملة، في ظل الوضع العسكري الذي تعيشه طرابلس، وعلى تأمين المصالح الاستراتجية للبلاد، على غرار المحطات والآبار الغازية والنفطية. ووجه رسائل طمأنة للجزائريين، من المخاوف الأمنية والعسكرية المتصاعدة في المنطقة، خاصة من تغلغل الجماعات الجهادية الناشطة، وأبان عن قدرة المؤسسة على تأمين البلاد من الأخطار الخارجية. وذكر بأن “الحفاظ على الأمن يتطلب التطبيق الصارم والدقيق لمضمون هذه الرؤية الوافية والمتكاملة ذات الأبعاد الاستراتيجية العميقة وبعيدة النظر للمؤسسة العسكرية، من أجل ضمان حق العيش في أمن وأمان للجزائريين، ويعتبر ذلك من الواجبات الأكيدة التي يتولاها الجيش الوطني الشعبي، بحكم مهامه النبيلة التي يتشرف دوما بتحملها وأدائها على النحو الأفضل والأصوب”. وتفادى قايد صالح، التطرق إلى الأوضاع الداخلية التي تعيشها البلاد، خاصة في ظل الضبابية التي تلف المستقبل السياسي، عكس المداخلات السابقة التي كانت تقدم تباعا مقاربات المؤسسة العسكرية لحلحلة الأزمة السياسية المتفاقمة، واكتفى بإطلاق رسائل تراوحت بين الطمأنة والتحذير من سيناريو المؤامرات الإقليمية والدولية، التي تستهدف أمن ووحدة بلاده، دون ذكر تفاصيل أخرى. وشدد قائد الأركان على أن “الجيش الوطني الشعبي، يعتبر أن أعظم الرهانات التي تستحق منا بذل الجهد تلو الجهد من أجل ضمان كسبها، هي رهان حفظ استقلال الجزائر وتثبيت أسس سيادتها الوطنية وسلامتها الترابية، والمحافظة على قوة ومتانة وحدتها الشعبية، في عالم يموج بتحديات كبرى ومتغيرات غير مأمونة الجانب تقف وراءها أطراف وقوى كبرى تعمل على إعادة تشكيل خارطة العالم، وفقا لمصالحها حتى ولو كان ذلك على حساب حرية الشعوب وأمنها واستقلالها وسيادتها الوطنية”. وأضاف “كافة المحاولات اليائسة الهادفة إلى المساس بأمن بلادنا واستقرارها فشلت، وستفشل مستقبلا، بفضل الجهود العازمة والمثمرة التي ما فتئ يبذلها الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني، مستلهما إياها من إخلاصه لقيم نوفمبر ولرسالته الخالدة حتى تبقى الجزائر واحدة لا تتجزأ وفقا للقسم المؤدى في سبيل الوطن”. وجاءت كلمة قايد صالح، لتبعد الجيش عن التجاذبات السياسية الداخلية، بعد أن كان متوقعا أن يقدم خارطة طريق سياسية تنهي الاستقطاب بين السلطة والحراك الشعبي، في ظل تلميحات فرنسية عن دفع الرجل إلى الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لتقديم استقالته، وتوضيبها في خانة انقلاب عسكري أبيض. وبدت مداخلات قائد أركان الجيش مرتبكة في بعض الأحيان وحتى متضاربة، فمن وصف المتظاهرين بـ”المغرر بهم” في فبراير الماضي، إلى الإشادة بالحراك الشعبي في مارس، ومن المطالب التعجيزية في مطلع أبريل، إلى توفر الحلول للأزمة السياسية وحماية الجيش للحراك في منتصفه، وهو ما يوحي بأن قيادة العسكر، تعيش وضعا استثنائيا لا يستبعد فيه ضغط ما من جهات خارجية، ووجود قوة مقاومة داخلية لأفكار الحراك الشعبي.وكان الجنرال قايد صالح وجه تحذيرات شديدة اللهجة لمدير جهاز الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق) واتهمه بـ”تأجيج الأوضاع الداخلية وعرقلة الحلول السياسية للأزمة”، وللوبيات الفساد المالي المحسوبة على نظام بوتفليقة، ووصلت لهجته الحادة إلى درجة وصف فيها رموز النظام السابق بـ”العصابة والمشبوهين”، وهو يؤشر إلى حدة المقاومة الخفية التي تتحدى المؤسسة العسكرية والحراك الشعبي. وحملت ممارسات قمعية لعناصر أمنية لم تظهر الجهة الوصية عليها، رسائل معقدة للشارع وللرأي العام، حول الجهات التي تتبنى تلك الأجهزة، في ظل نفي العسكر ومديرية الأمن (الشرطة) لأي وصاية أو تعليمات وجهت لهؤلاء من أجل قمع المتظاهرين الجمعة الماضي، أو انتهاك حرمة كلية الحقوق بالعاصمة الأربعاء، لاعتقال طلبة ناشطين. وهو ما يوحي بأن جهة ما في السلطة القائمة، تريد خلط الأوراق في الميدان وجر البلاد إلى الفوضى، لاسيما في ظل الإشارات التي وجهت لوزارة الداخلية وجيوب الدولة العميقة (جهاز الاستخبارات السابق). وفيما اشتدت القبضة الحديدية داخل حزب جبهة التحرير الوطني، بين جناح المنسق العام معاذ بوشارب، وبين جناح الأمين العام السابق جمال ولد عباس، حيث نفى الأول أخبار الاستقالة من الحزب، وأكد الثاني عقد لقاء اللجنة المركزية الأسبوع القادم لانتخاب أمين عام جديد للحزب، يجري التحضير والتعبئة على شبكات التواصل الاجتماعي، لمسيرة مليونية جديدة نهار اليوم، من أجل الضغط على السلطة ودفعها إلى الرحيل.
مشاركة :