الحلويات الرمضانية عادات تراثية دمشقية لا تزال حاضرة تتوارثها الأجيال وتتصدر أطباق موائد الإفطار، كما تزخر الأسواق السورية بتنوع شامل من أصناف الحلويات الدمشقية التي تتحلى برائحة دمشق وعراقتها، وقد اشتهر بصناعتها السوريون الذين حافظوا على أسرار موروث أجدادهم واتصفوا بحسن الصنعة والنفس الزكي. وللدمشقيين عادات تراثية في مأكلهم ومشربهم في شهر رمضان الكريم. يقول محمود حلاق أحد حرفيي صناعة الحلويات لوكالة الأنباء السورية (سانا)، إنه يتم الاستعداد لاستقبال شهر الصيام حيث يتم تجهيز الكثير من أصناف الحلويات منها الغريبة بالقشطة والنمورة والنهش وغيرها من الأصناف الشامية المشهورة والتي يزداد الطلب عليها في رمضان إضافة إلى اتخاذ علب الحلوى إحدى أهم هدايا شهر رمضان بين العائلات حين يلبون دعوات الإفطار ويتبادلونها في ما بينهم. ويؤكد قدامى العاملين في هذه الصناعة التي يمتد تاريخها لأكثر من مئة عام أن عدد أنواع الحلويات كان إلى حدّ أربعينات وخمسينات القرن الفائت محدودا ويكاد يقتصر على المعمول بالتمر والفستق والجوز إضافة إلى البقلاوة والمبرومة والهريسة، فيما تروج في رمضان الغريبة والبرازق والعجوة التي كانت تطهى على الحطب. ويعتبر سوق الميدان من الأسواق المشهورة بتحضير الحلويات الشامية، فكثيرا ما يغصّ السوق قبل موعد الإفطار بالمتسوقين الباحثين عن الحلويات والمأكولات الرمضانية رغم غلاء الأسعاروارتفعت أسعار الحلويات في السنوات الأخيرة على نحو ملحوظ حتى بات شراؤها يمثل شكلا من أشكال الرفاه الاستهلاكي كما يقول عامر موسى خريج الاقتصاد الذي يرى أن الأسعار ارتفعت بما لا يتناسب والحجم الذي تمثله سلة غذاء السوريين. ويعد غلاء مواد صناعة الحلويات الأولية أحد أبرز أسباب ارتفاع أسعارها في السنوات السبع الماضية حسب عدد من أصحاب المحلات فقد تضاعف ثمن المستورد والمحلي منها بشكل كبير أسوة ببقية السلع والمنتجات التي طالتها موجة الغلاء، لكن حركة الأسواق هذا العام تختلف وتشهد انخفاضا ملموسا في الأسعار خاصة بعد عودة الأمان إلى ربوع العاصمة. وتبدأ الأسعار من الألفي ليرة سورية، أما الحلويات المصنوعة بالفستق والسمن العربي فيبدأ سعرها من عشرة آلاف ليرة، لتصل إلى عشرين ألف ليرة (الدولار يساوي 515 ليرة سورية). وأوضح أبومحمد أنه يحضر بشكل دائم إلى سوق الجزماتية ليشتري حلويات للسهرات الرمضانية والمناسبات الأخرى، مبينا، أنه لا يجذبه لهذه السوق إلّا ما تتمتع به من شهرة ومتعة عند التسوق فيها وحرية انتقاء ما يناسبه من أنواع وأصناف الحلويات. وحول الأسعار قال محمد إن هناك غلاء، لكنه أقل من السنوات السابقة ويناسب القدرة الشرائية للكثير من الناس بالنسبة لأنواع وأصناف معينة تناسب مختلف الشرائح. وتعتبر أم أسامة أن الحلويات من الأصناف المحببة لدى السوريين وخاصة في شهر رمضان حيث تحرص العائلات على شرائها وتناولها كل يوم بعد الإفطار، لكن أمام ارتفاع أسعار المواد الغذائية بصفة عامة تتوقع أن يتراجع السوريون عن شراء بعض الحلوى المحببة لديهم. ومن ربات البيوت من اختارت أن تصنع بعض حلوياتها في بيتها أمام الغلاء الذي شهدته السوق في السنوات الأخيرة، حيث بينت السيدة ياسمين أنها تصنع حلوياتها في منزلها بسبب عدم قدرتها على شراء الحلويات الجاهزة، إضافة إلى أن صنعها يدويا أفضل..في المقابل ترى السيدة فاتن أن السوق تحتوي أنواعا عديدة من الحلويات وبمختلف الأسعار وأنها لا تشتري الحلويات التقليدية غالية الثمن بل تعتمد على الناشفة كالبرازق والمعمول والبيتفور لأنها تناسب دخلها. ويشير غيث اللحام أحد حرفيي صناعة الحلويات إلى أن دمشق تميزت بشهرتها عالميا في صناعة الحلويات وأن عددا من أنواعها ما زالت صناعته محصورة لديهم وهي التي تتصدر اليوم ضيافاتهم في رمضان وأن ذلك يندرج في إطار العادات والتقاليد الدمشقية. وأضاف اللحام، أن “طريقة صنع بعض أصناف الحلويات الشرقية لم يطرأ عليها أي تغيير لكنه تمت إضافة بعض اللمسات العصرية إليها”. ولفت اللحام إلى أنه تم إنتاج أصناف لا تقل قيمتها الغذائية وجودتها عن الأصناف المعتادة ليتسنى للجميع شراؤها خلال الشهر الكريم مثل النهش والنمورة وهي من أكثر الأصناف طلبا اليوم لأنها تتصف بمذاق لذيذ ورائحة زكية وبأسعار معقولة تستقطب الكثير من المتسوقين. بدوره أوضح صانع الحلويات واصف صبحة، أن المعروك من الحلويات الرمضانية المشهورة التي يفضلها السوريون على مائدة السحور وهي مطلوبة بشكل يومي، لافتا إلى أن ارتفاع سعر بعض أصناف الحلويات ساهم في الإقبال على شرائه بشكل أكبر. بدوره ذكر حسام رمضان أحد حرفيي صناعة القطائف، إنه يحضر القطائف العصافيرية بشكل يومي قبل فترة الإفطار بقليل حيث تعج محال الأطعمة بالمتسوقين، مشيرا إلى أنها من الأكلات التراثية العريقة التي لا تزال العديد من العائلات تفضل تناولها بعد وجبة الإفطار مباشرة. ويقول محمد الذي يعمل في متجر حلويات شهير، وبدا منهمكا في صف الصواني وإضفاء أبعاد جمالية على لوحات صنعت من قطع الحلوى المختلفة وحملت كتابات من قبيل رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير..إنهم يعتبرون طريقة العرض نصف البيع، فأيا تكن السلعة لا يمكن أن تخلق قرارا شرائيا لدى الزبون ما لم تلفت انتباهه بجمالية التقطيع والمكسرات التي تنثر فوقها والتعبئة والتغليف الأنيقين اللذين يجعلان الزبون أكثر ميلا للحصول عليها. وخلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان تبدأ ربات البيوت بشراء مستلزمات صناعة الحلويات في تقليد موروث ويتفنن في صناعة الأنواع المختلفة منها. وفي سوق البزورية التي ما زالت محافظة على خصائصها ببيع البهارات والتوابل ومستلزمات العيد يفرد أصحاب المحال التجارية بضاعتهم التي تسحر الناظرين وتدفع العابرين للسوق للتمتع بالمعروضات حتى ولو لم يرغبوا في شرائها فالمنظر بحد ذاته يشكل دافعا قويا للتجول في السوق. تقول أم حسن من خان دنون، إنها تريد شراء “بهارات وعجوة وحلوى مجففة وبكمبودر والشمرة والحبة السوداء والسمسم”، مشيرة إلى أنها دوما تأتي إلى سوق البزورية لأنها تحتوي على أفضل وأجود المنتجات من المواد الأولية لصناعة الحلويات وبأسعار مميزة. وعن مدى تمسك السوريين بحلويات العيد، تقول أم محمد هو تقليد يستحيل على عائلتها الاستغناء عنه، مبينة أن طقوس رمضان الجميلة عادت في السنتين الأخيرتين بعد هدوء الوضع في دمشق. ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فإن حلويات العيد ورمضان لها بهجة خاصة لذا تحرص الأسر على توفير المال لتحضير المعمول قبل العيد بأيام. وتوضح أم خليل، أن موائد الحلويات التي تصنعها السيدات تختلف من أسرة إلى أخرى حيث تقوم بعض الأسر بصناعة الحلويات في المنزل وبعضها يقوم بشرائها من السوق والبعض الآخر يجمع بين الشراء من السوق وصنعها في المنزل. من جانبه قال ماجد خليل من الغوطة الشرقية، إن الأسرة في الأيام الأخيرة من رمضان تتكاتف وتتعاون من أجل تحضير حلوى عيد الفطر في ما بينها في جو يميزه التسامر والفرح. ولفت إلى أن هذه العادة تلاشت في السنوات الماضية بسبب ظروف الحرب، لكن الآن عادت هذه الظاهرة الجميلة إلى ما كانت عليه.
مشاركة :