التكنولوجيا الذكية ومردودها الاقتصادي «3 من 3»

  • 5/26/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

عملت أخيرا بعض أعمال الصيانة في منزلي. واستخدم أفراد فريق العمال هواتفهم المتنقلة لتصوير المواد التي تتطلب الإحلال، والتواصل مع زملائهم في متجر أجهزة الحاسوب، والوصول إلى موقع العمل، واستخدام مصباح ضوئي للبحث في الأماكن المظلمة، وطلب وجبة الغداء لتوصيلها إليهم والتواصل معي. فكل هذه المهام التي كانت تستهلك وقتا في الماضي تنفذ الآن بطريقة أسهل وأسرع. ويقضي العمال وقتا أقل في انتظار التعليمات، أو المعلومات أو القطع المطلوبة للعمل. والنتيجة هي انخفاض تكاليف المعاملات وزيادة الكفاءة. واليوم لا يستطيع إلا الأثرياء تحمل تكاليف تشغيل مساعدين تنفيذيين. ولكن في المستقبل، سيكون لكل شخص القدرة على الوصول إلى الخدمات المساعدة الرقمية التي يمكن أن تبحث في كميات كبيرة من المعلومات والتواصل مع مساعدين آخرين لتنسيق الاجتماعات، والاحتفاظ بالسجلات، وتحديد مواقع البيانات، وتخطيط الرحلات والقيام بعشرات الأمور الأخرى الضرورية لتنفيذ الأعمال. وتضخ كل شركات التكنولوجيا الكبيرة استثمارات هائلة في هذه التكنولوجيا، ويمكن أن نتوقع رؤية تقدم سريع بفضل ضغوط المنافسة. تعد الهواتف المتنقلة الآن أقوى وأقل تكلفة بكثير من تلك المستخدمة في رحلة أبولو 11 الاستكشافية المأهولة بالبشر التي انطلقت إلى القمر في عام 1969، فقد أصبحت مكونات الهواتف المتنقلة "سلعية"، فالشاشات، والمعالجات، وأجهزة الاستشعار، ورقاقات النظام العالمي لتحديد المواقع، ورقاقات التواصل الشبكي ورقاقات الذاكرة أصبحت تكلفتها اليوم لا تذكر تقريبا. فيمكن أن تشتري هاتفا ذكيا ذا إمكانات معقولة الآن مقابل 50 دولارا، ولا تزال الأسعار تنخفض. وأصبحت الهواتف الذكية أمرا عاديا حتى في المناطق الفقيرة جدا. وأتاح توافر هذه المكونات منخفضة التكلفة للمبتكرين دمج وإعادة دمج هذه المكونات لإنتاج أجهزة جديدة مثل أجهزة مراقبة اللياقة البدنية، وسماعات الرأس الواقعية الافتراضية، ونظم مراقبة المركبات منخفضة التكلفة، وما إلى ذلك. والراسبيري باي Raspberry Pi هو حاسوب سعره 35 دولارا تم تصميمه في جامعة كامبريدج ويستخدم أجزاء الهواتف المتنقلة ولوحة إلكترونية بحجم حزمة من أوراق اللعب. وهو أقوى بكثير من نظم يونكس Unix التي ظهرت منذ 15 عاما فقط. وتقود قوى توحيد المقاييس وتطبيق نظم الوحدات وانخفاض الأسعار نفسها التقدم في البرمجيات؛ فالأجهزة الجديدة المنتجة باستخدام أجزاء الهواتف المتنقلة تستخدم في كثير من الأحيان برمجيات مفتوحة المصدر لنظام التشغيل الخاص بها. وفي الوقت نفسه، أصبحت لوحات ذاكرة الحواسيب المكتبية من عصر الحاسوب الشخصي الآن مكونات في المراكز الضخمة للبيانات، التي تعمل أيضا ببرمجيات مفتوحة المصدر. وتقوم الأجهزة المتنقلة بمهام معقدة نسبيا مثل التعرف على الصورة، والتعرف على الصوت والترجمة التلقائية لمراكز البيانات حسب الحاجة. وأدى توافر الأجهزة الرخيصة، والبرمجيات المجانية، والوصول غير المكلف لخدمات البيانات إلى خفض كبير في الحواجز التي تعترض دخول الأسواق في مجال تنمية البرمجيات، ما أدى إلى توافر الملايين من تطبيقات الهواتف المتنقلة بتكلفة بسيطة. لقد رسمت صورة متفائلة لكيف ستنعكس التكنولوجيا على الاقتصاد العالمي. ولكن كيف سيظهر هذا التقدم التكنولوجي في الإحصاءات الاقتصادية التقليدية؟ والصورة مختلطة نوعا ما في هذه الحالة. فلننظر إلى إجمالي الناتج المحلي على سبيل المثال، الذي يعرف عادة على أنه القيمة السوقية لجميع السلع والخدمات النهائية المنتجة في بلد ما في وقت معين. والمشكلة ترتبط بعبارة "القيمة السوقية"، لأن السلعة إذا لم تكن تباع أو تشترى فإنها لا تظهر عادة في إجمالي الناتج المحلي. وهذه المسألة لها انعكاسات كثيرة. فإنتاج الأسر، والمحتوى الذي تدعمه الإعلانات، وتكاليف المعاملات، والتغيرات في الجودة، والخدمات المجانية، والبرمجيات مفتوحة المصدر كلها أمور غامضة بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي، لأن التقدم التكنولوجي في هذه الأمور لا يظهر مباشرة في إجمالي الناتج المحلي. ولننظر، على سبيل المثال، إلى المحتوى المدعوم بإعلانات المستخدم على نطاق واسع لدعم توفير الوسائل الإعلامية على الإنترنت. ففي الحسابات الاقتصادية الوطنية لمكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي، تعامل الإعلانات نفقات تسويق ــ منتج وسيط ــ وبالتالي لا تحسب على أنها جزء من إجمالي الناتج المحلي. ومقدم المحتوى الذي ينتقل من نموذج أعمال الدفع مقابل المشاهدة إلى نموذج مدعوم بالإعلانات يخفض إجمالي الناتج المحلي.

مشاركة :