حمى التجسس الإلكتروني تصل إلى أجهزة اللياقة البدنية

  • 5/28/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

انتشرت في السنوات الأخيرة تقنيات وأجهزة جديدة تمكن الناس من تتبع أنشطتهم البدنية ومراقبة عدد السعرات الحرارية التي يتم حرقها، وتحليل تحركات المستخدمين وأسلوب جريهم وإعطائهم نصائح مباشرة، لمساعدتهم على تحسين أدائهم وتشجيعهم على الاستمرار ومتابعة نمط حياتهم الصحي، ولكن معظم المستخدمين لهذه الوسائل لا يدركون أنها قد تتجسس عليهم عبر الخدمات الرقمية المختلفة التي تقدمها. ويمكن لمستخدمي هذه الأجهزة، على سبيل المثال، تضمين بياناتهم المتعلقة بجوانب مثل الوزن، وممارسة التدريبات، وتمارين اليوغا، أو حتى ما يقومون به في الفراش قبل الخلود إلى النوم. ومثل هذا الأمر يبدو عاديا ولا يثير الريبة بالنسبة للمستخدمين، لكن ماذا سيحدث لو تمت مشاركة تلك البيانات مع الأصدقاء، أو على شبكة الإنترنت؟ تبدو ردود أفعال الخبراء -بشأن تطبيقات اللياقة البدنية وغيرها من وسائل التكنولوجيا التي تضع في أيادي الناس المزيد من الوسائل للاعتناء بصحتهم- متباينة. يقول جيمس نوري، عميد مدرسة غراهام لإدارة الأعمال في بنسلفانيا والخبير في السلامة المعلوماتية، إن الإنسان يمكنه تجاهل الخطر المنتظر أو التقليل من شأنه أو إنكار وجوده، لأن التفكير فيه يجعلنا نشعر بالتوتر والقلق. ضريبة الولع بأجهزة اللياقة البدنية قد تكون باهظة إذ يتم استخدام البيانات في أغراض مختلفة بينها استهداف المستخدمين في الحملات الدعائية أو سجل الائتمان أما فريدريك كالتيونر، من مؤسسة الخصوصية الدولية “برايفسي انترناشيونال” بالمملكة المتحدة، فتؤكد أن الأمر قد أصبح “مستحيلا” بالنسبة للمستخدم العادي كي يفهم كيفية استخدام بياناته، وتعطيل ذلك. وقالت موضحة “تتتبع الشركات المستخدمين، وتستخدم هذه البيانات لإنشاء صفحات شخصية ثم استهداف المستخدمين بطرق معظمنا يعتبرها تطفلية ومفاجئة جدا”. وشددت كالتيونر على أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بجمع البيانات لعرض إعلانات ذات صلة، بل يتعلق أيضا بتعظيم الربح على حساب حقوق المستخدمين الأساسية. ومع تنامي صيحة ارتداء الأساور والساعات والأجهزة الصغيرة لمراقبة إشارات الجسد الحيوية، من المرجح أن يتوافر كم هائل من بيانات المستخدمين، التي قد تكون هدفا سهلا لشركات الدعاية وسماسرة البيانات والجهات الوسيطة الأخرى. وتلعب شبكة الإنترنت دورا أساسيا وحيويا في كل أجهزة اللياقة البدنية المزود بالخدمات الذكية، بحيث يعبر أي أمر يعطيه المستخدم إلى الشركة التي تزوده بتلك الخدمة، وهنا تكمن التحديات التي تثيرها هذه الأجهزة أكثر من أي وقت مضى، فكيف يمكن للناس إذا أن يتتبعوا أداءهم البدني ويحسّنوه بالاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة وخدماتها الذكية، مع الحفاظ على حق الخصوصية الذي وجد منذ فجر الحياة البشرية؟ يبدو ذلك مستحيلا، فلكل فائدة يجنيها المولعون بأجهزة اللياقة البدنية ضريبة قد تكون أحيانا باهظة، وتكمن المشكلة في أن تلك الأجهزة تجمع كما هائلا من البيانات التي لن تبقى طي الكتمان، بل من السهل أن تنتشر على نطاق واسع على الشبكة العنكبوتية، وبمجرد أن يعرف أحدهم شيئا ما، فإن بإمكانه أن يعرف أشياء أخرى عديدة عن حياة الناس الخاصة. وحينئذ، يتم استخدام البيانات في أغراض مختلفة، من بينها استهداف المستخدمين في الحملات الدعائية أو سجل الائتمان أو رسائل الحملات السياسية، وقد يصل الأمر إلى حد الابتزاز الإلكتروني إذا وقعت بعض البيانات الحساسة والشخصية في أيدي قراصنة ومجرمي الإنترنت. والعام الماضي اتخذت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قرارا بحظر استخدام مميزات الموقع الجغرافي المضمنة في أجهزة تتبع اللياقة البدنية وغيرها من الأجهزة على الجنود والأفراد المتمركزين في قواعد حساسة ومناطق الحرب. وبالرغم من أن البنتاغون لم يصدر حظرا تاما على أجهزة وتطبيقات نظام تحديد المواقع العالمي، فقد أعلن أنه يجب إيقاف تشغيل ميزات الموقع في مناطق معينة. ويستخدم أفراد الجيش بشكل كبير أجهزة ومنصات تتبع اللياقة البدنية مثل تطبيق “سترافا”، الذي أطلقته شركة سترافا لابز، ولكن المخاطر التي تشكلها هذه الأجهزة والتطبيقات عبر تحديدها الموقع الجغرافي لأي نوع من النشاط يمكن أن تشكل مخاطر كبيرة على العمليات العسكرية.وأشار المحلل الأمني توبايس شنايدر -أحد الذين تمكنوا من تحديد القواعد العسكرية تبعا لاستخدامات أجهزة مراقبة اللياقة- إلى أن خارطة “سترافا” تكشف مواقع عسكرية في سوريا والعراق إضافة إلى قاعدة ماداما التي تستخدمها القوات الفرنسية في النيجر. وقالت هيذر بيرس، المتحدثة باسم شركة فيتبيت التي أطلقت العام الماضي ساعة رياضية ذكية، “تلتزم شركة فيتبيت بحماية خصوصية المستهلك والحفاظ على أمان البيانات، وعلى العكس من الهاتف الذكي، فإن أجهزتنا لا تجمع بيانات الموقع ما لم يمنحنا المستخدم إمكانية الوصول إلى البيانات، ويمكن للمستخدمين دائما إزالة وصولنا”. ومع ذلك، فإن هناك مخاوف حول احتمال حدوث خروقات للبيانات، فالأجهزة التي يمكن ارتداؤها قد تجمع معلومات أكثر تفصيلا، وقد يساء استخدامها، وفقا لما جاء على لسان كانديد ويست، الباحث في مركز سيمانتيك للأبحاث الصحية. وقال ويست “من المثير للاهتمام بشكل كبير عند الذهاب إلى اجتماع مع شركة منافسة معرفة معدلات النبض لدى مديريها التنفيذيين، لأنه يمكن أن يكون بمثابة نوع من أجهزة كشف الكذب أو على الأقل مؤشر على التوتر، وبالتأكيد سوف أسأل أعضاء مجلس الإدارة عما إذا كان ينبغي عليهم استخدامها أم لا”. وفي عام 2011، اكتشف الفني والمدون أندي بايو أن بحثا بسيطا على محرك غوغل قد يعرض تفاصيل الحياة الجنسية لمستخدمي تطبيق “فيتبيت” للانتهاك، ما دفع الشركة إلى الإسراع في إزالة النشاط الجنسي كخيار للتتبع، وأتاحت للمستخدمين اختيار الأنشطة التي يريدون مشاركتها. وكانت هذه الهفوة بمثابة درس مفيد لكبار المصنعين، الذين يؤكدون الآن على سياسات الخصوصية الخاصة بالمشتركين. وكشف تقرير شركة سيمانتيك عن برنامج لتتبع النشاط بعنوان “كيف تُحسب حياتك آمنة؟” أنه يمكن تتبع أي شخص يرتدي جهازا باستخدام ماسح ضوئي بسيط، وهو ما قام به باحثون لديهم كمبيوتر صغير، ومحول بلوتوث، وحزمة بطارية، ووحدة تخزين “أس.دي”.وفسر ويست ذلك قائلا “يمكن لصاحب العمل شراء مثل هذه الأجهزة ووضعها في نقاط استراتيجية، مثل الباب إلى غرفة التدخين، أو إلى الكافتيريا، ومن ثم يمكنه رصد مدة فترات استراحة القهوة، أو عدد المرات التي يدخّن فيها الناس”. وقال ويست إن نحو 52 في المئة من التطبيقات المرتبطة بالمتتبع ليست لديها سياسة خصوصية، بمعنى أن الشركات لها الحرية في بيع بيانات المستخدمين، إذ “يمكن لأصحاب العمل الحصول على هذه الإحصائيات مجهولة المصدر ليتمكنوا من معرفة الموظفين الكسالى، مثلا”. وقد تكون البيانات المأخوذة من الهواتف الذكية وأجهزة تتبع اللياقة البدنية غير محمية، وفق ما أظهره باحثون في مختبر التعدين وبيانات الاستشعار اللاسلكية في جامعة فوردهام لدى تطوير تطبيق “اكتي تراكر” المجاني لنظام أندرويد والذي صدر في عام 2013، إلا أن ويست أكد أن فوائد أجهزة التتبع تفوق تهديداتها المحتملة. فيما ذكر مقال نشر على موقع “ذا بي أم جي”، أن هذه الأجهزة “غير علمية ولم يتم اختبارها، ويمكن أن تفتح بابا للشك، لأن التشخيص المشكوك فيه قد يسبب القلق لبعض الناس، لكن المولعين بهذه الأجهزة لا يعلمون أنها تتعدى على خصوصياتهم.

مشاركة :