يشهد سوق البث الرقمي منافسة محتدمة، انضمت إليها شركات الإعلام المحلية في أنحاء العالم بما فيها الشرق الأوسط، في محاولة منها للاستثمار في قطاع أرست قواعده شركات عملاقة مثل نتفليكس وأمازون، وأضحى سلوكا رائجا للمشاهدة بين الجمهور. وتشتد المواجهة مؤخرا بين شبكة “آي.تي.في” التلفزيونية (مستقلة) وهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” بشأن خدمة البث المشتركة بريتبوكس، حيث يهدد الاختلاف بين أولوياتهما، الجبهة الموحدة التي يريدان تأسيسها لمواجهة نتفليكس ومنصات البث الرقمي الأخرى، وفق ما ذكرت فايننشال تايمز. ووفقا للعديد من المصادر المطلعة، تصر شبكة “آي.تي.في” التجارية على الالتزام بخدمة الاشتراك أكثر من هيئة الإذاعة البريطانية المستقلة، وتعهدت “آي.تي.في” بتمويل المشروع، حيث وافقت على استثمار 65 مليون جنيه إسترليني حتى نهاية عام 2020. في المقابل تعطي هيئة الإذاعة البريطانية الأولوية لمنصتها الخاصة، وتسعى إلى تغيير القاعدة بطريقة من شأنها أن تتيح برامجها الخاصة على خدمة “آي بلاير” وتوفرها لمدة عام بعد بثها، بدلا من الفترة الحالية التي لا تتجاوز شهرا واحدا. وإذا نجحت في تحقيق ذلك، سيصبح محتوى “بي.بي.سي” متاحا عبر الخدمة لمدة سنة، ويمكن مشاهدته مجانا قبل أن ينتقل إلى منصة بريتبوكس الخاصة. وقال أحد المطلعين على المفاوضات إن كارولين ماكول رئيسة “آي.تي.في” التنفيذية، “اتخذت موقفا متشددا وتمسكت بمطالبها” خلال حديثها مع المدير العام لهيئة الإذاعة البريطانية توني هول. وقالت “آي.تي.في” إنها لن تعلق على المفاوضات الجارية، بينما أكدت هيئة الإذاعة البريطانية على أن الطرفين يعملان معا ويلتزمان بالمشروع. ورغم اعترافه بأن الارتباط لم يكن بمثابة “زواج قسري”، عبّر أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في “بي.بي.سي” عن عدم تأكده من أن التعاون سيكون ناجحا في نهاية المطاف. وتعتبر المنصة الفاعلة في الولايات المتحدة وتجمع أكثر من نصف مليون مشترك تحديا كبيرا لـ”آي.تي.في”، حيث يتبع المعلنون الجماهير عبر الإنترنت، ولم تحظ خدمة البث المباشر التي أسستها “آي.تي.في” بشعبية مثل التي حققتها خدمة “آي بلاير”. وانخفضت القيمة السوقية للشركة أكثر من الثلث على مدار السنة الماضية وسجلت أدنى مستوى لها في ست سنوات. وبعد ثلاثة أشهر من إعلان ماكول عن بلوغ “المرحلة الختامية من المناقشات” مع هيئة الإذاعة البريطانية لإطلاق المنصة في المملكة المتحدة هذا العام، مشيرة إلى أهمية الفرصة نظرا إلى حصة الإذاعة التجارية التي تبلغ 1 بالمئة من سوق التلفزيون المدفوع في البلاد الذي تبلغ قيمته 6.3 مليار جنيه إسترليني، ولم تكشف عن تفاصيل أخرى. ويشكك بعض المطلعين في قدرة بريتبوكس على حشد الشعبية، مع تمويل يقتصر على “آي.تي.في” بقيمة لا تتجاوز 65 مليون جنيه إسترليني، أمام نتفليكس التي من المتوقع أن تنفق 11.5 مليار جنيه إسترليني لبث محتواها عالميا خلال هذه السنة والتي تطمح إلى أن تصبح المصدر الرئيسي للبث في بريطانيا. وقال مصدر مقرب من المفاوضات إنه لا يتوقع أن يحقق بريتبوكس نجاحا يصل إلى المستوى الذي حققته خدمات البث الحالية. مضيفا “لن يحدث فرقا جوهريا من حيث الإيرادات ولن ينقذ مذيعي القطاع العام، لأن توقعاتهم منخفضة”. وأعلنت القناتان الحكوميتان الرابعة والخامسة في المملكة المتحدة أنهما تخوضان “مناقشات بناءة” مع “آي.تي.في”، بشأن مشاركتهما في خدمة بريتبوكس. ونفت “آي.تي.في” الادعاءات بغياب التحمس على خدمة البث، قائلة إن الشركة على الطريق الصحيح لانطلاقها في النصف الثاني من السنة الحالية. وقالت الشركة إن الطرفين الرئيسيين في المفاوضات يتوقعان نجاح الخدمة. وتعتقد كلير إيندرز أن قيود الإعلانات المقترحة على الأطعمة غير الصحية والضغوط على “بي.بي.سي” لتقديم تنازلات يعني أنها لن تستثمر مثل “آي.تي.في”. لكن، يعتقد بعض المراقبين أن الشكوك حول بريتبوكس وضعت في غير مكانها. وقال المحلل الإعلامي في “ليبروم كابيتال”، إيان ويتاكر “أستطيع أن أرى ذلك من وجهة نظر النخبة الإعلامية في لندن حيث إنهم لن يشاهدوا المسلسل الدرامي شارع كورونيشن حتى ولو عرضنا عليهم أموالا مقابل ذلك. لكن، سيزيد الطلب على هذه الخدمة بين عامة الجمهور، إذ لا يريد بعض الأشخاص الاشتراك في خدمة نتفليكس”. وخلافا لـ”بي.بي.سي”، و”آي.تي.في”، تحاول العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية في دول العالم المختلفة، مواجهة تمدد نتفليكس، ودخول ميدان البث الرقمي، فيما ينظر إلى هذه المحاولات بالكثير من التشكك، إذا ما أخذ بالاعتبار حجم إنفاق نتفليكس السخي على المحتوى، إضافة إلى المعايير الفنية والإنتاجية العالية.وسجلت منصة “وواتش إت” المصرية فشلا في هذا المجال، إذ حاولت الاستفادة من ولع الجمهور بالإنتاج المحلي من المسلسلات خلال شهر رمضان، وأطلقت منصتها المدفوعة لكنها لم تنجح في الوصول إلى الوصفة الملائمة للجمهور ولم تحقق هدفها، فأعلنت إتاحة محتواها مجانا للجمهور حتى نهاية مايو الحالي. وقبلها أطلقت مجموعة “أم.بي.سي” السعودية، منصة “شاهد” الرقمية، وأعلنت بداية العام الحالي عن خطة عملها الرقمية الجديدة لتطوير “شاهد” عبر توفير محتوى أصلي عالي الجودة والدخول في صفقات كبرى في سوق خدمة الترفيه عبر الإنترنت، وتراهن المنصة السعودية على ضخامة المحتوى وتنوعه وقوته الإنتاجية، وزيادة قاعدة المشتركين وتوسيع قنوات التوزيع بما فيها الأجهزة المحمولة وأجهزة التلفزيون الذكية وأجهزة الألعاب، لتكون أكثر منصات خدمة الفيديو الرقمية انتشاراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد يكون هذا الطموح مشروعا، لكن السبق الذي تحقق لنتفليكس وأمازون وشركات البث الأخرى مثل ديزني وأبل، من غير السهل زحزحته. ورغم كل هذه المنافسة، تسير نتفليكس بخطى ثابتة نحو أهدافها، فقد أعلنت، الاثنين، التعاقد على تقديم مسلسل مأخوذ عن رواية “ما وراء الطبيعة”، للأديب المصري الراحل، أحمد خالد توفيق. ووفق بيان للشركة، “سيكون ذلك العمل هو أول أعمال نتفليكس من الدراما المصرية، من إنتاج المصري محمد حفظي وإخراج عمرو سلامة”. وأوضح أن “العمل مستوحى من سلسلة الروايات الأكثر مبيعاً في الوطن العربي للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق والتي باعت أكثر من 15 مليون نسخة”. وفي معرض تعليقها على المسلسل الجديد، قالت كيلي لوجنبيل، نائبة الرئيس للأعمال الأصلية العالمية في نتفليكس “إننا متحمسون للاستثمار في المزيد من الأعمال من منطقة الشرق الأوسط”. وأوضح بيان الشركة أن مسلسل “ما وراء الطبيعة” يفترض أن يتم تصويره في مصر. ويعد المسلسل المصري المنتظر، ثالث أعمال نتفليكس بالشرق الأوسط بعد مسلسل “جن”، الذي يتكون طاقم ممثليه من مجموعة من المواهب الأردنية الصاعدة والناشئة، إلى جانب مسلسل “مدرسة الروابي للبنات” والذي أعلنت عنه الشركة في أبريل الماضي بعمان.
مشاركة :