يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.{وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ * إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ * إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}بعدما بعث الله ملائكته إلى سيدنا لوط لتخليصهم من قومه الكافرين الشاذين، فأراد أن يلحق بهم عذابًا غير القوم الذين سبقوهم، فحينما نزل الملائكة فى صورة بشر غاية فى الجمال، هَمَّ قوم لوط للاعتداء عليهم، ودافع لوط عليه السلام عن ضيوفه، ودعا قومه إلى الكف عن شذوذهم، وقام بتذكيرهم بتقوى الله، وكان سيدنا لوط وحيدًا بينهم، فلم يكن له أقارب أو عشيرة لينصروه، وتمنى أن تكون هناك قوة مادية إيمانية، تقف أمام قوتهم المادية الجاهلية.وكان ضيوف سيدنا لوط فى أثناء المعركة ساكنين، ولكنهم كانوا آمنين مطمئنين، ولم يكن لوط عليه السلام يعرف هويتهم، وفى لحظة الذروة قام الملائكة بالإفصاح عن هويتهم، وأن الله أرسلهم فى هذه الصورة لإقامة الحجة على قوم لوط، والإشهاد على جرائمهم، وإيقاع العذاب بهم والدمار، ووقتها أرشدوه إلى طريق الخلاص والنجاة وطلبوا منه أن يخرج من القرية فى الليل، حتى لا يلحق به أو بقومه الصالحين العذاب والدمار القادم حيث قالوا: «انتظر حتى يأتى الليل، ويحل الظلام، وعند ذلك خذ أهلك المؤمنين الصالحين واخرج بهم من هذه القرية، واستغل الليل والظلام للخروج، لئلا يعلم بكم أحد» كما أخبروه أيضًا بأن الله عز وجل سينجيه هو وقومه إلا زوجته لأنها ستعذب مثل القوم الكافرين، لأنها اختارت الكفر بالله، ولم تتأثر بإيمان ونبوة زوجها، ولم تدخل فى دينه، رغم أن لوط عليه السلام قد دعا امرأته عدة مرات واستخدم معها أحسن الأساليب، ولكنها أغلقت قلبها وأصمت أذنها ورفضت الدعوة الإيمانية.وأوقع الله بقوم لوط عذابًا خاصًا عجيبًا، لم يوقع مثله فى أقوام كافرين آخرين، وهذا العذاب كان يتناسب مع جرائمهم وشذوذهم الذى ارتكسوا فيه، وأوقع الله عز وجل العذاب بهم على مرحلتين، المرحلة الأولى «أن الله طمس أعينهم فأعماهم، وكان هذا فى الليل، وعندما راودوا لوطا عن ضيوفه، فأمرته الملائكة أن يسير مع أهله المؤمنين وقت السحر، وطمسوا أعين القوم الشاذين المتجمهرين على باب لوط، فأُصيبوا بالعمي، وجاءت المرحلة الثانية وهى إيقاع الدمار بهم، وكان هذا فى الصباح، فعندما أتى الصباح أخذتهم الصيحة، وانشقت بها الأرض وأحدثت صوتًا عاليًا مفزعًا، وكان هذا فى وقت شروق الشمس، وأعقبها تدمير ومطر، وقلب الله القرية قلبًا فجعل عاليها سافلها، وأعقب الله قلب البيوت بأن أمطر عليها مطرًا خاصًا، ليس ماء عذبًا، ولا غيثًا، وكله مطر من حجارة من سجيل».ورأى لوط وأهله المؤمنين ما حل بالقوم الكافرين الشاذين من هلاك، وما وقع بقراهم من دمار، فحمدوا نعمة الله على الإيمان والإسلام، وعلى الطهارة والعفاف، وفرحوا بالقضاء على أولئك الشاذين المفسدين.
مشاركة :