يزخر القرآن الكريم بالقصص التى لم تكن مجرد عرض للتسلية وإنما ليزداد المؤمن ثباتًا على الحق وإصرارًا على مواجهة الباطل، من خلال إطلاعه على مواقف الأنبياء والمرسلين وقصصهم. وكان القصص القرآنى له النصيب الأكبر من قبل علماء المسلمين والباحثين والمفكرين، وخلال شهر رمضان المبارك نستعرض سيرة الرسل والأنبياء حتى تكون عبرة ونهجًا وصراطًا مستقيمًا نسير عليه.عندما توجه سيدنا إبراهيم وزوجته سارة إلى مصر حدث معهما حادث عجيب، وأكرم الله عز وجل السيدة سارة وعصمها من ذلك الملك الجبار الفاجر، وتعود القصة فى أنه أثناء إقامة سيدنا إبراهيم فى الأرض المقدسة «فلسطين» وقام بزيارة مصر، ولأن القرآن الكريم لم يذكر أى شيء عن تلك الزيارة، ولكن هناك بعض الأحاديث النبوية الشريفة التى ذكرت تلك الزيارة، فما الذى حدث لإبراهيم وسارة هناك؟ وكيف تعرفوا على السيدة هاجر؟ هذا ما سنعرفه فى تلك الحلقة من حلقات «نحن نقص عليك». ففى الحديث الشريف الذى ذكر تلك الزيارة، روى البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، ثنتين منهن فى ذات الله وقوله «إنى سقيم»، وقوله «بل فعله كبيرهم هذا»، وبينما هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إن ها هنا رجلًا، معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها، وقال: من هذه؟ قال: أختي! فأتى سارة، فقال: يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمن غيرى وغيرك، وإن هذا سألني، فأخبرته أنك أختي، فلا تُكذبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه، ذهب يتناولها بيده، فأخ، فقال: ادعى الله لي، ولا أضرك، فدعت الله، فأطلق! ثم تناولها ثانية، فأُخذ مثلها، أو أشد، فقال: ادعى الله لي، ولا أضرك، فدعت، فأُطلق....». ومن الحديث الشريف يتبين لنا أن تلك الحادثة العجيبة قد حدثت فى مصر، حيث أكرم الله سارة ونجاها من الملك الجبار الفاجر، والذى كان شهوانيًا فاجرًا، مرتكبًا للفاحشة، ويلاحق النساء الحسناوات عن طريق حاشيته، التى كانت كل مهمتها هى البحث عن النساء الجميلات، وإحضارهن إليه طوعًا أو غصبًا، ليفجر بهن، وكانت السيدة سارة من أجمل النساء وأحسنهم. وأمر الله سيدنا إبراهيم ليقول عن السيدة سارة بأنها أخته، ليأخذها الملك، وهناك يُقدم الله لذلك الملك آية ومعجزة، وليحق قدرُه سبحانه، فستكون سارة فى رعاية الله وحفظه، ولن ينال منها الملك شيئًا، فكان سيدنا إبراهيم واثقًا بوعد الله، مسلمًا أمره له. ولقد عصم الله سارة من فجور ذلك الملك، بل قدم لها كرامة بارزة، وقدم لذلك الفاجر الجبار آية على قوة الله وقدرته، وعلى عجز ذلك الجبار، فلما مدَّ يده لها أول مرة، قبضها الله وعطلها، فعجز الملك عن تحريكها، أو التحكم فيها، فتعجب واستغرب لأنها أول مرة تحدث معه، وطلب من سارة أن تدعو ربها ليطلق يده، ولن يؤذيها، ولما فعلت ذلك عاود الملك الكرة مرة ثانية، ثم مرة ثالثة، وعندها علم الملك أنه ممنوع من الوصول أو الاقتراب منها، وأيقن بعجزه، وأيقن وقتها بأن هناك قوة أخرى تحفظها وتعصمها وتحميها منه، وهذا هو المراد، وأراد الملك إكرام هذه المرأة المحفوظة العفيفة، فقدم لها إحدى النساء لتكون خادمة لها، وجارية عندها، وهى السيدة هاجر، وأعادها إلى إبراهيم معززة مكرمة، عفيفة، ومصونة.وكان سيدنا إبراهيم فى تلك الأثناء يصلي، ويدعو الله بأن ينجى السيدة سارة، ويحفظها ويعصمها، وأن تعود له، فكيف تزوج نبى الله من السيدة هاجر، وأنجب نبى الله إسماعيل، وكيف عاد إلى فلسطين؟ وكيف أصبحت هاجر أم المسلمين؟ هذا ما سنعرفه فى الحلقة المقبلة من القصص القرآني.
مشاركة :