حين تدلهم الخطوب، وتقترب القارعة، تبدو المملكة العربية السعودية حاضرة للذود عن مصالح المنطقة، من خلال التنادي الخلاق خليجياً وعربياً، لاستباق الأخطار، واستشراف المواقف، ووضع الرؤى والبدائل المستقبلية.يستلفت الانتباه أن القمتين اللتين دعا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إليهما، تجيئان قبل يوم واحد من القمة الإسلامية العادية في دورتها الرابعة عشرة، والتي تنعقد تحت شعار «قمة مكة... يداً بيد نحو المستقبل». والمؤكد أن اختيار التوقيت ليس أمراً عفوياً، ولا هو بالمصادفة القدرية أو الموضوعية، سيما أن هناك بعض الدول الإسلامية التي لا تغيب عن ناظري القارئ، لا تحمل خيراً للعرب أو للدول الخليجية بنوع خاص.الناظر للمشهد الإقليمي والدولي يوقن بأن الخطر محدق بالمنطقة، من جراء أحلام الهيمنة والتوسع الإيرانية، عطفاً على خططها لامتلاك برنامج نووي وآخر صاروخي وثالث للحروب السيبرانية. ولا هدف لها من وراء هذه جميعها سوى تغيير التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، لتضحى لاعباً رئيسياً يحرك ما يشاء له أن يحرك، منفرداً أو في مواءمات سرية مع قوى بعينها، تجد دعماً أممياً لبسط نفوذها وسط بحر الشعوب العربية.لا يحتاج المشهد الآني لإسقاطات كلامية، فما تفعله إيران بنوع خاص أمر لا يليق لوصفه سوى تعبير البلطجة الدولية، إن تجاوزنا أدبيات الحديث، فطهران والملالي يمضون في مخططاتهم وكأن لهم حقاً أصيلاً في التدخل في شؤون العالم العربي، ولا يدارون أو يوارون ذلك، بل إن قيادات «الحرس الثوري» تتحدث علانية عن النفوذ في أربع دول عربية، وإيران بهذا الفعل تتصرف بوصفها ثورة مستمرة لا دولة، ما يعني كذلك أنها سائرة على درب وصية الخميني، أن يُرى علم الثورة الإيرانية يرفرف على العواصم العربية والإسلامية كافة.ما الذي يمكن للقادة العرب والخليجيين الخروج به في قمة حاسمة حازمة كهذه؟الدعوة في حد ذاتها مبادرة طيبة، تؤكد ما نقول به أبداً ودوماً، من أن طرح القضايا المصيرية يبدأ من الذات لا من الآخرين، وهنا فإن المملكة تعطي الذات العربية وتفسح لنظيرتها الخليجية الفرصة الواسعة للمبادرات، التي تتلاءم مع أهمية الحدث وخطورته.لا تفهم إيران سوى لغة واحدة، ولهذا يجب أن يكون خطاب القمتين العربية والخليجية، خطاب من يريد السلام؛ لكنه يستعد للحرب، ومن دون رهانات على الآخرين، وإن كان ذلك بالضرورة لا يعني عدم التنسيق مع الحلفاء والأصدقاء.رسائل قمم مكة لا بد أن تصل كذلك إلى تركيا، الجار اللدود، وصاحبة الضغائن التاريخية، والتي تظن أن التاريخ له دالة على الماضي، أو أن عجلته يمكنها العودة القهقرى لاستعادة طموحات استعمارية قديمة.ولا وقت للمهادنات أو التأرجح، إنها قمة تصفير الذمم سياسياً، ووضع نقطة أول السطر، ثم البداية الواضحة، وضمن أجندة تجمع ما بين السياسي والعسكري، الأمني والاستخباراتي، الاقتصادي والاجتماعي، سيما أن خلف الباب، وفي أعقاب رمضان الفضيل، أي خلال بضعة أيام، ربما نضحى على مقربة من تفاقم الجدل حول إشكالية أخرى موصولة بقضية العرب المركزية، أي القضية الفلسطينية.المطلوب من القادة العرب والخليجيين هذه المرة مخاطبة الرأي العام العالمي، والهيئات الأممية، وفي المقدمة منها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وبلورة طرح إعلامي صادق وموثوق، يقف سداً واحداً في مواجهة الأكاذيب الإيرانية التي باتت تروّج عالمياً، وبنوع خاص داخل الولايات المتحدة الأميركية. وقد قدر لها - ويا للتناقضات القدرية - أن تستغل الفائض المالي الذي أفرج عنه باراك أوباما، وبلغ نحو مائة وخمسين مليار دولار، لكي تغيب الأميركيين أو جلهم. ويجب ألا نغضب إن أدركنا أن الإيرانيين نجحوا في إقامة لوبي فاعل في الداخل الأميركي، الإعلام في القلب منه، والوصول إلى سياسيين أميركيين تالياً. القمة الإسلامية التي تستضيفها مكة هذه المرة حاسمة إلى أقصى مدى. وقد بات السؤال: ما جدوى عضوية دول مسلمة فيها، مثل إيران، تتيح لوكلائها وأذرعها الميليشياوية إطلاق صواريخ بعيدة المدى على مكة، قلب العالم الإسلامي، وفي أيام رمضان؟إيران وتركيا مهددان رئيسيان للأمن القومي العربي، وكذا الأمن القومي الإقليمي، وعلى غير المصدق أن يتابع شحنات الأسلحة الثقيلة التي يتم ضبطها في مياه المتوسط، آتية من موانئ تركيا للجماعات الإرهابية في عموم ليبيا، حتى تبقى نيران الحرب مشتعلة هناك.تركيا وإيران، وربما بعض الدول الإسلامية الآسيوية التي توفر حاضنات آمنة للجماعات الإرهابية، حكماً ستحاول جعل القمة الإسلامية قمة «بكائية»، لحرف المشهد عن حقيقته، ومحاولة إلباس الباطل ثوب الحق، وهذا ما يتوجب الاستعداد لفضحه على الملأ، من خلال إعداد الأوراق بشكل فائق الجودة في قمتي مكة الخليجية والعربية.الخلاصة: وحدة العالم العربي السلاح الأقوى لمواجهة العبث الإيراني والتركي، عبث محور الشر الذي يتوجب عليه أن يتوقف «الآن وهنا»، إن جاز لنا استعارة صيحة شكسبير الشهيرة.
مشاركة :