حكايات مجهولة|| معمر السُّلمي.. العالم سيل لا ينتهي

  • 5/31/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

شكل معمر بن عباد السلمى أهمية كبيرة ومرحلة تحول غاية فى الخطورة والثقل فى تاريخ الفكر العربى الإسلامي، أدى ظهوره فى الوسط الكلامى ونبوغه فى فرقة المعتزلة إلى إضفاء مزيد من الحيوية والتجدد على الحياة الثقافية آنذاك، لأن أفكاره أوجدت حوله العديد من الجدل والمشاكل، وجرى تجاهه الكثير من العراقيل وأيضا العداءات؛ فقد شن تجاهه شيوخ «أهل السنة» هجوما عنيفًا وصل لذروته عندما اتهموه بالفسق والكفر.كان ابن حزم الظاهرى من أشهر من هاجموه، بينما اعتبره أبوعثمان الجاحظ من الفلاسفة الأطباء، ويذكر الدكتور رشيد الخيون فى كتابه «معتزلة البصرة وبغداد» أن إطلاق لفظ الفيلسوف على المفكرين ليس من عادة المؤرخين، لأن عادتهم أن يطلقوا الفيلسوف على الرجل الموسوعى الذى يضم إلى علومه الطب أيضا، معتبرا أن الباحثين قد غفلوا شهادة الجاحظ التى تؤكد شروط وصف العلماء بالفيلسوف والحكيم لكل من يلم بالمعارف إلى جانب براعته فى الطب.سكن «معمر» البصرة ثم انتقل إلى بغداد، وشهد مع إبراهيم النظام عدة مناظرات كلامية، وترك عددا من المؤلفات منها: المعانى - الاستطاعة - الجزء الذى لا يتجزأ - الليل والنهار والأموال، وفى سبيل آراءه واجه تضييقا عليه فى الحملات التى تمت ضد أهل الجدل والفلسفة أيام الخليفة هارون الرشيد، ومن العجيب أن الرشيد الذى سجنه يأمر بإطلاق سراحه للاستفادة منه فى المناظرات الفلسفية مع علماء الهند.تميزت آراؤه الكلامية بمقالته المسماة «المعاني» والتى قصد من خلالها نفى الصفات عن الذات الإلهية تنزيها له عن تعدد القدماء أو الوقوع فى الشرك وتماشيا مع التوحيد الخالص كما مالت إلى ذلك كل المعتزلة، لكن السلمى أحل محل الصفات فكرة المعاني، فمثلا القدرة والحياة وغيرها من الصفات الإلهية ليست إلا معانى، إذ لا توجد قدرة قائمة بل معان ٍ تشير إليها، وأشار بعض الباحثين إلى استفادة السلمى من فلسفة كل من أرسطو وأفلاطون، فقد جلعه الدكتور سامى النشار تلميذا أمينا لأفلاطون وتجسيدا صريحا لفكرة «المثل».حلل الدكتور الخيون فكرة المعانى وما تطرحه من أفكار، فهى تشير إلى أفكار تعبر عن ذوات روحية ومادية، ويفهم من لا نهايتها أن الكون متوحد ومتصل، كما أنه عبارة عن سيل من الأفعال المترابطة.ووفق بحث المفكر رشيد الخيون حول اعتبار الباحثين أن فكرة السلمى تعود لجذور سابقة وأصول فلسفية إغريقية، نقل الخيون عن المستشرق الألمانى هانس ديبر الذى اعتبر نبوغ فكرة السلمى تطورا طبيعيا للشخصية الفكرية المستقلة، رافضا فكرة التأثر المتبادل بالضرورة.

مشاركة :