القاهرة: الخليج نحن نختصر الأدب النرويجي في العالم العربي، في شخص الكاتب المسرحي الكبير «هنريك إبسن» فلم يهتم النقاد والمترجمون العرب بأحد غيره، رغم وجود أسماء كثيرة مهمة من بينها أربعة كتاب يُطلق عليهم «الأربعة الكبار» وهم: «هنريك إبسن» و«يوناس لاي» و«إلكسندر كيلاند» و«بيورنستيرن بيورنسون» والأخير حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1903. حسبما يشير ياسر شعبان في صدر ترجمته لعدة قصائد له، فإنه لا يقل قيمة عن «إبسن» بأعماله التي أثرت المسرح النرويجي والعالمي، بل يفوقه بأنه روائي راسخ وشاعر ارتبط شعره بمراحل التغيير في النرويج، لدرجة أن واحدة من قصائده، وعنوانها «نعم نحب هذه الأرض إلى الأبد» قد تحولت إلى النشيد الوطني النرويجي، وقد ضمنها الشاعر ديوانه «قصائد وأغان» الذي صدر عام 1870. يقول «بيورنسون» إن أعظم إشادة تلقاها، أكثر من أي وقت مضى، هي سيطرة هذه القصيدة على قلوب مواطنيه، وقد ظهرت في إحدى المناسبات، حين جاء حشد من المعارضين، وكسروا زجاج نوافذ خصمهم السياسي بالحجارة، وساروا بعد ذلك بعيداً وقد شعروا بالنصر، وبالحاجة إلى الغناء، فانفجروا في صوت واحد مرددين «نعم نحن نحب هذه الأرض». وهناك أيضاً قصيدة «إلى الأمام.. إلى الأمام» التي بدأت فكرتها حين أعطى الفنان «جريج» هدية عيد الميلاد للكاتب، وكانت عبارة عن سلسلة من «مقطوعاته الغنائية» وقام بعزف بعض منها للشاعر، فلفت نظره إحداها، فحاول إرضاء الملحن الكبير، وكتابة الكلمات المناسبة للحن، وبعد يوم أو اثنين التقى «جريج» ب«بيورنسون»، وأعرب عن اعتقاده بأن جميع شباب النرويج سيتبنون الأغنية بحماس، وفي صباح اليوم التالي، عندما كان «جريج» يقوم بإعطاء درس بيانو لسيدة شابة، سمع رنين جرس الباب بشكل عنيف، ثم تلت ذلك صيحة جامحة: «إلى الأمام.. إلى الأمام» لقد وجدتها، وكان الشاعر هو الطارق، وغنى الأغنية كاملة، وسط ضجيج من الضحك والتهاني. بدأ بيورنسون دراسته في جامعة فريدريك الملكية عام 1852 وعمل محرراً في كبريات الصحف النرويجية، التي راح يعرض فيها أفكاره حول الإصلاح السياسي والاجتماعي، ثم أمضى جزءاً كبيراً من حياته خارج النرويج، متنقلاً بين الدنمارك وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، وتوفي في باريس. استلهم بيورنسون من نشأته الريفية نتاجاته الأدبية الأولى، التي حرص على أن يحملها مضمون الوعظ والإرشاد لإذكاء جذوة الشعور بالفخر بتاريخ النرويج وإنجازاتها، وإيقاظ الروح الوطنية لدى أبنائها، وكانت باكورة إنتاجه الأدبي مجموعة من القصص حول الحياة الريفية عام 1857، والمسرحية التاريخية «بين المعارك» ثم كتب مجموعة من القصص الطويلة منها «الولد السعيد» وعالج في أعماله المسرحية والروائية مشكلة عدم التسامح السياسي. قضى بيورنسون المرحلة الأخيرة من حياته في ترحال دائم، يتحدث ويكتب دفاعاً عن السلام، ويمكن القول إن الجانب السياسي في فكره كان حاضراً دائماً، وتجلى في صولاته وجولاته السياسية، وكان لمسرحياته أثر بالغ في تأسيس ما عرف بالواقعية الاشتراكية، وكان له الفضل في حل النزاع السويدي- النرويجي، وكذلك في حل الاتحاد الذي كان قائماً بين الدولتين بشكل سلمي في عام 1905. ولد بيورنسون في ديسمبر 1832، في قرية «كيفيكن» شمال النرويج، وهي قرية نائية قام الكاتب بوصف مناخها والمناطق المحيطة بها فيما بعد، وكان أبوه قس هذه القرية التي يتسم أبناؤها بالوحشية، وبكثير من الاضطراب، لدرجة أن سلفه (الذي لم يسبق له المخاطرة بدخول الكنيسة دون مسدس في جيبه) قد هرب في نهاية المطاف، ورفض رفضاً قاطعاً العودة، ما نتج عنه أن المنطقة أصبحت من دون قس لعدة سنوات، حتى جاء إليها «بيورنسون» الأب. ضمن المختارات الشعرية التي ترجمها ياسر شعبان ل«بيورنسون» نقرأ: «شكرا للجميع من طفولتنا، لعبنا معا وتجولنا في الغابات الواسعة اعتقدت أن اللعب سوف يستمر للأبد، على الرغم من أن الحياة لا بد لها من نهاية».
مشاركة :