يونس السيد تحولت صفقة شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الدفاعية الروسية «إس 400» إلى قضية القضايا، خصوصاً في علاقات أنقرة مع واشنطن وحلف «الناتو»، بقدر ما هي، على الجانب الآخر، قابلة للاستثمار السياسي بين موسكو وأنقرة. من حيث المبدأ، كان يمكن لتركيا الإبقاء على استقرار علاقاتها مع واشنطن وحلف «الناتو»، والاكتفاء بالحصول على منظومة صواريخ «باتريوت» الأمريكية، وطائرات «إف 35» وهي الأحدث في العالم، من دون أن تغامر بتوتير العلاقات مع واشنطن، وتتجنب أي عقوبات أمريكية محتملة؛ رداً على إتمام الصفقة (الروسية التركية)؛ لكن من الواضح أن أنقرة أرادت، في البداية، توظيف صفقة «إس 400» في مناكفة واشنطن، واستثمارها في الحصول على دعم سياساتها في سوريا، خصوصاً لجهة إقامة ما تسميه «منطقة آمنة» في شمال سوريا أو احتلال شرقي الفرات واقتلاع المقاتلين الأكراد من تلك المنطقة، في ظروف غير ملائمة على الإطلاق لأنقرة؛ حيث كانت واشنطن توظف المقاتلين كرأس حربة في مقاتلة تنظيم «داعش»، قبل أن تتعقد الأمور وتتحول عملية المناكفة إلى توتر بين الجانبين يصل إلى حد الأزمة. الحال نفسه تقريباً، يمكن أن نشاهده على الجانب الآخر، رغم عدم ظهور التوتر إلى العلن؛ إذ إن صفقة «إس 400» دخلت على كل مسارات التفاوض المتعلقة بالأزمة السورية، من «أستانا» إلى «سوتشي»، وأصبحت «باروميتر» تقدم أي مفاوضات لحل هذه الأزمة، فإذا كانت موسكو ترغب في تمرير هذه الصفقة لأسباب اقتصادية وسياسية، بما في ذلك أيضاً مفاقمة التناقضات بين أنقرة وواشنطن، فإن تركيا بدورها وضعت الصفقة نفسها؛ للاستثمار المعاكس في خلفية كل تحركاتها السياسية، فعملية إتمام الصفقة أو تقريب موعد التسليم أو تأجيل هذا الموعد أصبحت جزءاً أساسياً من التوظيف السياسي للصفقة. بهذا المعنى، فإن الصفقة تحولت إلى ما يشبه المزاد العلني في بازار مفتوح في كل الاتجاهات، أي أن كل الأطراف تستطيع استخدامه. والسبب في ذلك هو السياسة التركية التي أرادت اللعب على كل التناقضات؛ اعتقاداً منها أنها ستكسب في النهاية؛ لكنها في الحقيقة تتجه إلى خسارة كل شيء، بعد أن مسّت علاقاتها الاستراتيجية مع حلفائها التقليديين، وربما تفقد تحالفاتها المصلحية الجديدة في الشرق مع روسيا والمنطقة عموماً.فأنقرة ليست وحدها القادرة على ممارسة الضغوط واللعب على التناقضات؛ إذ هناك الدب الروسي المتحفز والذي يجيد هذا النوع من الألعاب، والذي صبر طويلاً على تركيا؛ لتنفيذ التزاماتها في إدلب وتنفيذ اتفاق «سوتشي» بإقامة المنطقة العازلة وسحب السلاح والمسلحين منها، وفي نهاية المطاف تجريد «جبهة النصرة» إلى جانب حلفائها من السلاح، وإعادة شمال غربي سوريا إلى كنف الدولة السورية، إلا أن تركيا فشلت في كل ذلك، ما دفع روسيا إلى العودة للإمساك بزمام المبادرة، ووضع تركيا و«النصرة» إلى جانب حلفائهما أمام خيارين، إما تنفيذ الاتفاق، وهو أمر منوط بتركيا أولاً، أو العودة للحسم العسكري وهو الخيار المرجح؛ لكن صفقة «إس 300» قد يكون لها دورها المهم هنا أيضاً إذا ما أرادت موسكو أن تمارس ضغوطها الخاصة بوقف تسليم أو تأجيل تسليم هذه الصفقة إلى حين تنفيذ التزاماتها أو التوصل إلى توافق جديد حول سوريا. younis898@yahoo.com
مشاركة :