بيروت: زينة حمود يعانق نقيب الفنانين التشكيليين اللبنانيين نزار ضاهر طيف المدى، يطاول الشمس، يراود الطبيعة.. فنان يغامر في عشق اللون ووصاله، كأنه يعزف في أروقة المطارح المنسية، يخرجها من عتمة المستحيل إلى عناق الطيف ليصبح عراف السهول والجبال والوديان وآفاق السماء. لوحته ابنة الطبيعة ترتدي ثوبها الملون بألوان السهول والورود، تتزين بالأصالة وتمتطي صهوة الجمال. لوحة في تحولاتها اللونية جريئة ورومانسية في آن. تحث على التحاور معها وتنبعث من حناياها موسيقى الطيور وصبا الحقول وترنيمات رؤيوية شفافة وإبداعية، تجيء من عالم الغيب حاملة براكين أرجوانها وبحارها وأشجارها. لوحات معرضه الأخير «جنوبيات» عديدة يصفها صاحبها، بتضاريس وديان وجبال رق جفنها فسهت على بيادر القمح في سهول كل الوطن.. تمتد على مسافات القلب. ترابها من صلصال ومن أحمر قان، كرزي الطعم شهيّ المذاق. بين الأرض والسماء تتمطى لتستريح فوق قبة القمر؛ حيث نشيد الطبيعة يحمل حكايا العشق الآسر المتماهي مع الذات الإنسانية الباحثة عن السر والمطلق في الفن وفي الجمال.. تلتقيه «الخليج» وتسأله: * لوحتك تسكن في الكلي وفي الدهشة!. - هي لوحتي أسكنها وتسكنني وصولاً إلى الأبعد والطيران للقبض على المابعد.. لوحتي موجودة الآن في الأرميتاج العالمي في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، شامخة إلى جانب لوحات بعض كبار التشكيليين العالميين، وأدرجت كطابع تذكاري في لبنان. كذلك علقت في متاحف باريس ولندن والصين، وقد استحقت جوائز عالمية لأنها تجسد روحية الإنسان وتراثية الفن ودهشة اللون، وشاعرية تطلق العنان لبوح صباحات ومساءات فاتحة أكفها لعناق الفضاء وأنوار الكون. * ما علاقة العناصر الكونية بلوحتك وألوانك؟ - هي عناصر وجودية من ماء وهواء وسماء وتراب ونار ونور تتلمس معدن الشكل فيندمج الفن في الذات الباحثة أبداً عن سحر يرتشف موسيقاه من ينابيع الكون. هذه العناصر تنتمي إلى الأرض والإنسانية. ومن هذا الانتماء يولد الفن. في هذا الإطار الفن هو الزمان والمكان.. وبقدر ما هو مسموح للفنان أن يقيّم ما تجود به موهبته وما تتيحه له تجربته وثقافته الفنية، يتوخى دائماً البحث عن مكامن الجمال التي لم تتكشف بعد في مجملها للعاملين في هذا المجال. * في أعمالك تطوّع الأشكال والألوان باتجاه الضوء والإبهار والدهشة.. كيف لك أن تقبض على هذه الجماليات؟ - هذه الحالات من التجلي تعود أو تمثل الحالة النفسية التي أكون فيها، والتي تعتريني لحظة القبض على الريشة وكأنني عاشق أغزل اللون. حالة انخطافية أتطلع من خلالها ومن دون أن أعي ذلك بوضوح. * على ماذا يعتمد قاموسك الفني؟ - ليس لي من قاموس فني بالمعنى المتعارف عليه. التقنية والخبرة والموهبة والحاجة إلى التواصل مع الغير بصورة بعيدة عن التصنع هي المصدر والمرجع الذي أعتمده في بناء لوحتي، وقاموسي بالمعنى المجازي والمطلق، هو انفعالاتي وحالاتي التي أكون فيها وتتفجر ينابيع عطاء. * أحياناً تصر على الترميز وتجريد الطبيعة - إذا كان هنالك ما يشير إلى نوع من التجريد والترميز في أعمالي، فإيضاح ذلك يستوجب تحليل ما يجول في داخلي من أحاسيس وتخيلات وتمنيات وأفكار.. في المحصلة أترك لمتذوقي الفن أن يجيبوا على ما يرونه أو يحسون به واعداً إياهم بأنني سأستمر مخلصاً في أداء ما أشعر بالحاجة الملحة إلى تبيانه. * نلاحظ أنك تركز على المثالية في الفن.. لماذا الإصرار على ذلك؟ - لن أتوقف عن شرح المعاني التي تكتنفها عبارة «المثالية»، وبما أنني أشعر بأن ما يقصد من السؤال هو جعل العمل الفني يقرب مما يفترض أنه المثل الأعلى للجمال، فإجابتي يمكن اختصارها بأنني لا أحترف الفن كوسيلة تمكنني من بلوغ مآرب غير فنية، لكنني أزاوله لأنه غاية في حد ذاته. وما أقوم به من جهتي ليس سوى الاستسلام لهذه الجاذبية التي تشدني إلى المستويات التي لم أبلغها بعد. * أين موقع الإنسان في أعمالك وكنا نراه كجذع شجرة أو شعر امرأة؟ - الإنسان هو ما اكتشفه من خلال المنظر والشيء الذي أتأمله. الواقع بتفاصيله، بمحتوياته، جماداً كان أم نباتاً أم حيواناً أم آلة، يحمل طابعاً وحضوراً إنسانيين، فإذا ما تخليت عن إبراز شكل الإنسان بكامله أو أن أمثله في بعض أجزائه فهذا يعني أنني أغفلت الإنسان.
مشاركة :