ودع الوسط الفني والثقافي في الإمارات الفنان التشكيلي الفلسطيني الدكتور عبدالكريم السيد، الذي وافته المنية صباح أمس في الشارقة، والراحل د. السيد هو واحد من مؤسسي الحركة التشكيلية في الإمارات، ويعد من أبرز الأسماء التي رافقت هذه الحركة سواء من خلال المعارض التي أقامها أو من خلال التنظير النقدي، حيث يعتبر كتابه رواد التشكيل في دولة الإمارات العربية المتحدة وصدر في عام 2012 عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، من الكتب المهمة في هذا المجال، لا سيما أن د. السيد أقام في الإمارات منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، وله إسهامات معروفة في الحركة التشكيلية المحلية والفلسطينية والعربية، وهو أحد الذين أسهموا في بناء ثقافة بصرية تطورت لاحقاً وأصبحت من العلامات المميزة التي ترافق مسيرة الفن التشكيلي في الإمارات محلياً وعربياً، كما تحتل مساحة مرموقة على المستوى العالمي كذلك. وقد نعت جمعية الإمارات للفنون التشكيلية الفنان د. عبدالكريم السيد، ونوهت بمسيرته التشكيلية في الإمارات، ويعتبر السيد وبشهادة العديد من زملائه التشكيليين، واحداً من المؤسسين الأوائل لهذا الفن، ناهيك عن كونه تشكيلياً ممارساً، وذا خط منهجي عميق، وقد وصف البعض كتابه بأنه يعد مرجعاً مهماً لدارسي التشكيل الإماراتي، وطلاب الجامعات، والنقاد، بل والفنانين أنفسهم، لأنه خلاصة رحلة شاهد عيان، وفنان مبدع، له حضوره الإبداعي والنقدي. و د. السيد أحد مؤسسي جماعة الجدار التشكيلية، في عام 1989، وكانت تواظب منذ انطلاقها على المشاركة في إقامة وتنظيم العديد من المعارض سواء في المناسبات الوطنية وغيرها، وضمت الجماعة مجموعة من التشكيليين البارزين في الدولة منهم: د. نجاة مكي، إحسان الخطيب، أحمد حيلوز، محمد فهمي، د. محمد يوسف، ومحمود الرمحي، وقد اختطت لنفسها، ومنذ التأسيس مساراً تشكيلياً يعكس ديناميكية المشهد التشكيلي في الإمارات، وقد اعتادت في كل معرض سنوي تقيمه على تقديم الجديد. تناول كتاب (رواد التشكيل في دولة الإمارات العربية المتحدة) تجارب رواد الفن التشكيلي في الإمارات، منذ بداية تأسيس هذا الفن، إماراتياً، وهو الذي علق عليه د. السيد نفسه بالقول إن ما ساعدني، على أن أتناول هذه المادة، هو أنني كنت واحداً من مؤسسي هذا الفن، إماراتياً، وشاهداً على الحراك التشكيلي الأول، في هذا المكان، كما أن لدي أرشيفاً ضخماً، وهو ما ساعدني، لكي أتناول مساحة زمانية مديدة، من خلال دقة المعلومة، والصورة، في آن واحد. كان الراحل د. السيد عبر كتاباته المختلفة، معنياً بإبراز دلالات الجانب الفني والحضاري في التشكيل الإماراتي، كما كان معنياً، بتنويع أساليبه الفنية والتقنية، وكان حريصاً كذلك على تتبع مسيرة التشكيل حتى ما قبل تأسيس جمعية التشكيليين الإماراتيين، وثق السيد كل ذلك في كثير من كتاباته، حيث يشير كتابه رواد التشكيل في الإمارات إلى حمد السويدي الذي كان أول رئيس لمجلس إدارة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، ود. عبيد الهاجري، وهو من أوائل المهتمين بالفن التشكيلي.عرف عن د. السيد موازنته بين الأصالة والمعاصرة، وله رؤية كتبها في هذا الإطار عبر عنها بقوله إن الالتزام في العمل الفني، قضية أثارت الكثير من الجدل بين الفنانين، فمنهم من يؤيد حرية الفنان الكاملة في وسيلته التعبيرية وموضوعه وأسلوبه الفني، ومنهم من يلتزم بقضايا شعبه وأمته، ولو كان ذلك على التوفيق بين الشكل والمضمون، حيث تنبع قضية الالتزام من الوعي، الذي يعني التعايش الحقيقي مع قضايا الجماهير، وهذا يولد بالتالي موقفاً سياسياً للفنان، لا ينعكس فقط على اللوحة الفنية، وإنما ينعكس على تصرفات الفنان وسلوكه، وهناك شواهد عديدة على هذا على مدار التاريخ. حاز الراحل د. السيد على إعجاب كثير من رواد التشكيل العربي، الذين اعترفوا بتلقائيته الفنية، ومن هؤلاء المخضرم فاتح المدرس، الذي قدم رأياً في تجربة السيد منوهاً بألوانه شديدة الجرأة، ووصفه بأنه مهووس باللون ويعشقه بجنون، في أحد اللقاءات التي نظمتها إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة احتفاء بتجربة عبدالكريم السيد، ونظم في رواق الشارقة للفنون قبل عامين، عرضت خلالها نماذج متفرقة من أعماله الفنية على مدى أربعين عاماً، وتحدث السيد عن تجربته الشخصية منوهاً ببداياته متأثراً بالمدرسة الواقعية، حيث تنقل بعدها بين المذاهب الفنية المختلفة من انطباعية وتعبيرية حتى وصل إلى التجريد التعبيري، الذي استمر فيه لفترة طويلة، ثم اتجه بعد ذلك إلى التجريد بنوعيه اللوني والهندسي، منوعاً بين الخامات اللونية مروراً باستقراره على المرحلة التي أسماها (مجموعة حبيبتي رحاب)، وهي المرحلة التي رسخ فيها الراحل المرأة الفلسطينية، بوصفها أيقونة ترمز للنضال والشموخ، رمز المجتمع والأرض والطهر، وهو العنوان نفسه لمعرضه الأخير الذي نظم في ندوة الثقافة والعلوم في دبي.
مشاركة :