أن تكتب عن فنان تشكيلي يعني أنك تخوض في غابة من الالوان المغرية من دون بوصلة تهتدي بذائقتها النهائية، أما اذا كان هذا التشكيلي فنان كاريكاتير أيضا فهذا يعني أنك تسير على أسلاك شائكة دون مران مسبق، فماذا لو كان هذا الفنان كاتبا أيضا؟. قلت لنفسي ذلك وأنا أستعد لكتابة هذا المقدمة التي طلبها منى الأخ الفنان عبدالسلام مقبول لكتابه، فقررت أن اكتب من دون حساب لفوضى الالوان المغرية ولا لوخز الاسلاك الشائكة، ولا حتى لأي حسابات غير متوقعة يمكن أن تلوح لي في نهاية النفق أو الافق عبر صفحات الكتاب. زاملت الفنان عبدالسلام مقبول لسنوات صحفية عدة قبل أن تتفرق بنا سبل شارع الصحافة في السنوات الاخيرة. وكلما كنت أراه في زياراتها المقطعة لي بعد ذالك كان سؤالي الاول له: «متى تنشر نصوصك؟». وكان يجيبني بابتسامة صامتة ولوحة جديدة يعرضها أمامي موشحة بسؤال: ما رأيك بها؟. وبين سؤالي وسؤاله، تبدأ مشروعات وتنتهي لهذا الفنان المتعدد المواهب، لكنه فجأة أطل علي مؤخرا وهو يحمل بين يديه رزمة من الأوراق وضعها على المكتب قائلا: انه كتابي، «عاشق الصمت»، اقرئيه ثم اكتبي مقدمته ان راق لك، فقلت له لحظتها: سأكتب المقدمة حتى قبل أن أقرأ الكتاب!. وها أنذا أفعل. أكتب المقدمة من دون قراءة الكتاب لأنني أكتبها عن الكاتب لا عما كتب! لا أدري إن كنت أحرجه حين كنت أسأله دائما عن كتاباته، ام انه أحرجني عندما طلب منى كتابة المقدمة لهذه الكتابات، فما أعرفه انه «نطق» أخيرا، واستعان بالأحرف الى جانب الريشة والالوان للتعبير عن صمته الطويل. ولا يسعني الان الا أن «أفضح» بعض أسراره على صعيد اللون والحرف أيضا، فعبدالسلام مقبول الذي ظل لسنوات عدة يرسم الابتسامة على وجوه قراء الصحف التي عمل فيها كل صباح من خلال رسوماته الكاريكاتيرية الساخرة اختزن الكثير من أوجاعه بين حناياه قبل أن يفصح عنها بواسطة هذه النصوص التي بين أيدينا من دون أن يتخلى عن سلوكه الساخر. فهو في النص كما هو في اللوحة التشكيلية كما هو في الكاريكاتير.. ذلك الانسان القادر على استنطاق مادة الفن بمجرد الموهبة العارية الا من الصدق والعفوية. ومقبول فنان شامل بمعنى الكلمة، فإبداعاته كثيرة وقد صقل الكثير منها بالممارسة وبالدراسة الأكاديمية، وهو يبحث كثيرا كما يبدو قبل أن يقدم على أي مشروع جديد فيستطيع عندها أن يقدمه بكل ثقة مسيجا بصبر لا يتوفر كثيرا لدى الفنانين عادة، ولكن من يطلع على مسودات واسكتشات مشاريعه قبل الانتهاء منها يكتشف انه يجتهد لدرجة الوسوسة في عمله فهو يكتب ويعيد الكتابة ويرسم ويعيد الرسم ويخطط ويعيد التخطيط، ويستمر في دائرة لا تنتهي من العمل المتواصل حتى يصل الى نقطة ترضيه الى حد ما، فهو لا يرضى بشكل كامل ولا ينبغي له أن يفعل كأي مبدع حقيقي.
مشاركة :