القوة العربية المشتركة..إنجاز كبير لدرء المخاطر

  • 3/31/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مضى على ميلاد جامعة الدول العربية نحو 70 عاماً، حيث رأت النور عام 1945، وعقدت خلالها 26 قمة على مستوى القادة والزعماء والملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ، تنوعت بين قمم عادية واستثنائية وأخرى طارئة، وكان حلماً وعنواناً أساسياً موضوع الدفاع العربي المشترك عن مصير الأمة وقضاياها، منذ بدايات تأسيس وميلاد الجامعة العربية، وتحقق نظرياً منذ عام 1950، حيث برز إلى حيز الوجود حينها مجلس الدفاع العربي المشترك، واتفاقية الدفاع المشترك، واليوم وعلى ضوء طرحه وإقراره من قبل القادة العرب في القمة السادسة والعشرين، سارعت الدول العربية إلى التأكيد عليه والترحيب به والالتزام بمواثيقه وتفعيل مسودة الاتفاق، فهو عامل مهم في الحفاظ على الاستقرار والامن والسيادة في الدول العربية، وعامل تحد قوي وتصد لأي تدخل خارجي يعرض أمن المنطقة العربية للخطر، لكنه في تلك المرحلة عملياً لم ير النور كما يجب، وبقي أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع إلى أن جاءت القمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، مع نهاية مارس 2015، حيث تم التأكيد فيها على ضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة وهي ضرورة لابد منها. لقد شكلت جامعة الدول العربية عام 1950 مجلس الدفاع العربي المشترك، وتضمن المجلس في بنده الأول التأكيد على أن اللجنة العسكرية الدائمة المنصوص عليها في المادة الخامسة من معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية تختص بما يلي: إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أي اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند في إعداد هذه الخطط على الأسس التي يقررها مجلس الدفاع المشترك. وتقديم المقترحات لتنظيم قوات الدول المتعاقدة ولتعيين الحد الأدنى لقوات كل منها حسبما تمليه المصلحة العامة والمقتضيات الحربية وتساعد عليه إمكانيات كل دولة، وتقديم المقترحات لاستثمار موارد الدول المتعاقدة الطبيعية والصناعية والزراعية وغيرها وتنسيقها لصالح المجهود الحربي والدفاع المشترك، وتنظيم تبادل البعثات التدريبية وتهيئة الخطط للتمارين والمناورات المشتركة بين قوات الدول المتعاقدة وحضور هذه التمارين والمناورات ودراسة نتائجها بقصد اقتراح ما يلزم لتحسين وسائل التعاون في الميدان بين هذه القوات والبلوغ بكفايتها إلى أعلى درجة. وإعداد المعلومات والإحصائيات اللازمة عن موارد الدول المتعاقدة وإمكانياتها الحربية ومقدرة قواتها في المجهود الحربي المشترك. وبحث التسهيلات والمساعدات المختلفة التي يمكن أن يطلب إلى كل من الدول المتعاقدة أن تقدمها وقت الحرب إلى جيوش الدول المتعاقدة الأخرى العاملة في أراضيها تنفيذاً لأحكام هذه المعاهدة. إن الفكرة تستند منذ تلك الأيام على تشكيل قوة عربية مشتركة تكون اليد القوية والنافذة والضاربة والمساندة للقرارات السياسية ولتحقيق التوازنات، وعلى رأس أولوياتها حماية الأمن القومي العربي ومواجهة تسونامي الإرهاب المتنامي، والتصدى للمليشات الإرهابية المسلحة التي لا تؤمن بوحدة الأوطان واستقرارها، وكلنا يتذكر عندما بدأت الدول العربية تنال استقلالها في القرن الماضي، وفي خضم المخاطر والأطماع التي كانت تعصف بالمنطقة، وقعت 7 دول عام 1950 معاهدة الدفاع العربي المشترك، ومن أهم بنودها وموادها إعداد الخطط العسكرية ومواجهة أي اعتداء مسلح يقع على إحدى الدول الموقعة، وتشكيل لجان فرعية دائمة أو موقتة من بين أعضائها لبحث أي موضوع من الموضوعات الداخلة في نطاق اختصاصاتها. لكن هل يمكن لنا أن ننسى أن تلك الاتفاقية والمعاهدة رغم أهميتها وضرورتها بقيت حلماً وحبراً على ورق أكثر منها حقيقة واقعة، فلم نسمع عن تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة أو قاعدة انطلاق عربية واحدة موحدة ترجمة وتطبيقاً للاتفاقية، على الرغم من كل الأزمات التي شهدتها المنطقة والهزات التي عصفت في بلدان عربية. لكن ها هي اليوم تطرح من جديد بقوة ووضوح، ويبدو أن التوجه العربي نحو تفعيلها وتطبيقها نظراً لما تواجهه الأمة العربية من مخاطر وتحديات جديدة كبيرة وضخمة وحرجة وحساسة. وقد جاءت مرة أخرى رغبة من الدول العربية في تقوية وتوثيق التعاون بين دول الجامعة العربية، حرصا على استقلالها واستجابة لرغبة شعوبها في ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام والاستقرار. وما من شك أن فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة تعتبر رائدة جدا وخطوة متقدمة، فقد غيّرت «عاصفة الحزم» الكثير من الموازين والاستراتيجيات، وجعلت العرب في موقع المبادرة للمرة الأولى، على الرغم من أن الكثير من المراقبين لم يكونوا يتوقعون أن يتخذ العرب موقفا شجاعا موحدا وصارما كهذا. وبكل الأحوال ليس بالضرورة أن تكون العضوية في هذه القوة المشتركة أو المشاركة فيها إجبارياً، لكن ذلك لا يقلل من أهميتها أو ضرورة التسويق لها بشكل قوي، فهي ضرورة قومية ووطنية ملحة، خصوصاً أنه لا يمكن أن ينسى أحد أن مسيرة 70 عاماً من عمر جامعة الدول العربية، شهدت محطات تلكؤ وفشل وإخفاقات عدة، وهي بمجملها أكثر مما تحقق من نجاحات. ولأن الأمر كان كذلك، فقد ساهم اليوم في الالتفاف نحو «عاصفة الحزم» بقيادة المملكة والدول الخليجية والعربية الشقيقة والدول الصديقة، التي جاءت للتأكيد على عودة الشرعية في اليمن، ومنع استمرار الفوضى والتشظي والانهيار، والتصدي للتدخلات الخارجية، مما ساهم في سرعة وبلورة فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة لمثل هذه الغايات المهمة، فعاصفة الحزم تؤكد على وجود العدو المشترك وضرورة التصدي له وكبح جماح اطماعه وتوسعه وعدم تدخله في شأن الجسم العربي، ولهذه الاتفاقية قوة عسكرية قوية ومتماسكة وواضحة الأهداف، ويعتقد أنها أثارت حالة من الاستغراب في أميركا وأوروبا، بشأن مقدرة العرب عن الدفاع عن مصيرهم وقضاياهم وكذلك على التوحد والمبادرة بضرب عدوهم لوحدهم بمساعدة بعضهم البعض، وبالتالي فإن نجاح العاصفة يعني أن الجميع يسيرون على المسار القويم الصحيح، وان الفرصة اليوم مهيأة تماماً لقيام مثل هذه القوة العربية المشتركة. ويؤكد أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، أن تطبيق قرار المجلس الوزاري العربي الصادر في السابع من سبتمبر العام الماضي، حول صيانة الأمن القومي العربي والمواجهة الشاملة مع المنظمات الإرهابية، مرتبط بتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي أبرمت سنة 1951م. بكل الأحوال شهدت مسيرة القمة العربية عبر 70 عاما بعض محطات التعاون والتنسيق والدعم العسكري والاقتصادي وفي مختلف المجالات، وما من شك أن أبرز تلك المحطات ما جرى في حرب تشرين عام 1973، ويستذكر كثيرون ما جرى في هذه الحرب، وكيف كان الدعم العربي، من ليبيا والجزائر ودول الخليج، والعراق والأردن وبقية الدول العربية حيث شاركت بطريقة أو بأخرى، وبكل بساطة ووضوح تجلى حينها تفعيل الاتفاقية خلال حرب 1973، حيث كانت متعددة الأشكال، منها المشاركة بالمعدات الثقيلة والخفيفة والمختلفة، أو القوات المقاتلة بالأفراد والمعدات أو بالأموال، وملائمة في الوقت نفسه لطبيعة الحرب. لكن هناك محطات اخفاق وفشل عدة أيضاً من بينها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م حيث واجهت المعاهدة أول اختبار حقيقي لها عند وقوع العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر ليس فقط من خلال تواطؤ إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا، أو تواطؤ بعض الدول الشاذة عن الطريق القويم، وتحديدا حينما حرضت حكومة العراق بريطانيا على العدوان ضد مصر وسمحت باستخدام قاذفات القنابل البريطانية لضرب الأهداف المصرية. أما خلال الأزمة الكويتية العراقية عام 1961، وبعد إعلان إلغاء اتفاقية الحماية المبرمة بين الكويت وبريطانيا في يونيو 1961، وإعلان الكويت دولة مستقلة، أثارت العراق مشكلة كبيرة مع الكويت حين طالبت بضمها إلى العراق في تلك المرحلة. وبالتالي حشدت العراق الحشود العسكرية على الحدود الكويتية، وسارعت الجامعة العربية إلى مواجهة الأزمة فأصدر مجلسها قرارًا بتشكيل أول قوة سلام عربية مشتركة لتحل محل القوات البريطانية عند انسحابها من الكويت. وسجل حينها الحدث أول نجاح للجامعة العربية منذ قيام حرب فلسطين عام 1948 في مواجهة مشكلة عربية وتشكيل قوة عسكرية مشتركة تحت قيادة موحدة لإنجاز عمل قومي محدد، يخدم القضايا العربية. وفي اليمن عام 1962 لم تتحرك الجامعة العربية لتقديم أي دعم أو معونة للثورة تعينها على الخروج بالبلاد. أما أزمة تحويل مياه نهر الأردن عام 1963م، عندما استغلت إسرائيل التدهور المتصاعد في العلاقات العربية العربية، وانشغال الأمة العربية بمشاكلها، عملت بكل جهد في تحويل مياه نهر الأردن، وأعلنت في نهاية عام 1963 انتهاءها من استكمال المرحلة الأولى من مشروع المياه القومي الإسرائيلي. وإزاء هذا الخطر على الأمن القومي العربي رأت مصر أنه لا بد من القيام بعمل عربي مشترك حاسم وفعال في مواجهة هذا التهديد؛ فدعت إلى عقد أول مؤتمر عربي لمواجهة مشروعات إسرائيل بتحويل مياه نهر الأردن. وفي العدوان العراقي على الكويت عام 1990، يمكن القول إن الجامعة العربية فشلت في وقف العدوان، فيما نجحت الأمم المتحدة في إصدار القرارات الضرورية والمتنوعة لردع العدوان بشكل متدرج بدأ بالحصار الاقتصادي وانتهاء باستخدام القوة لإزالة آثاره. إلى جانب الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله وتدميره وتفتيته عام 2003، وما نتج عن هذا الاحتلال من انشقاقات جمة داخل المجتمع والطوائف العراقية، التي تعاني منها العراق الى اليوم من اقتتال طائفي ومذهبي وعرقي واثني، وفقد العراق هويته العربية وابتعد عن انتمائه العربي الذي كان لديه أقوى جيش عربي مدرب، والصراع الدائر في سورية واليمن وليبيا، وارتفاع وتيرته في الوقت الحالي، كل ذلك يعطي مؤشرا أن ثمة عجزًا في القرارات العربية نحو هذه الأزمات. ولا ننسى أن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين منذ عقود عدة، والحروب التي طحنت بهم، لم تر أي رادع عربي لإسرائيل حتى الآن، على الرغم من تفاقمها في السنوات القليلة الماضية. وأخيراً في ظل هذه المسيرة الطويلة من الاخفاقات جاءت «عاصفة الحزم» لتحزم الأمور وتضع النقاط على الحروف، وتعيد للعرب مجدهم وكرامتهم وتحمل معها حلماً جديداً في قوة عربية مشتركة أقرتها القمة الأخيرة في مصر، يبدو أنها قابلة للتحقيق وقابلة للنجاح والتنفيذ بعد كل هذه التجارب ومخاض الحروب ليعيد الدفاع العربي المشترك مجد وهيبة الأمة العربية لصون كرامتها وأمنها واستقرارها وسيادتها.

مشاركة :