محمد فريد أبو سعدة: المسرح يعاني الإسفاف

  • 6/4/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» ينتمي الشاعر المصري محمد فريد أبو سعدة، إلى جيل السبعينات، وقد صدرت منذ فترة أعماله الشعرية الكاملة في عدة مجلدات، لكن تجربته تضم مجالاً لم يتطرق إليه أحد من أبناء جيله، باستثناء شاعر، أو شاعرين، وهو المسرح الشعري الذي كتب له خمس مسرحيات من فصل واحد، نشرت في كتابين: «حيوانات الليل»، و«عندما ترتفع الهارمونيكا»، وفازت مسرحيته «ليلة السهروردي الأخيرة» بجائزة اتحاد الكتاب المصريين، وعرضت على خشبة المسرح بعنوان «سيد الوقت». ويعترف «أبو سعدة» بأن «المسرح الشعري وغير الشعري يعاني ليس من خلاء قاعاته من الجمهور فقط، بل من الإسفاف الذي يطرد المهتمين والمشتغلين بالمسرح»، ويعترف أيضاً بأن الوعي بالدراما والمسرح حرره بسرعة من الكلام من خلف قناع، وفي مسرحيته عن السهروردي أراد أن تأخذ الذوات هيئتها، ومنطقها، وأن تكون مفصولة ووحيدة أمام القارئ، لا كعرائس الماريونيت، علينا أن نغض الطرف عن رؤية الخيوط، التي يحركها شخص ما، نعرف أنه موجود وإن لم نره. * كيف يكشف الشعر عن كاتب المسرح بداخلك؟ - أفترض أن تجربتي الشعرية كلها فضاء مسرحي، تتوالى عليه الذوات بهيئاتها وتناقضها، وحتى بنكهتها اللغوية، وبما يناسب ذلك كله من خبرة جمالية، إنها المرايا التي أتعرف منها إلى نفسي، فتحت جلدي حروب أهلية تقودها ذوات مختلفة، بعضها يستقوي بي، وبعضها لا يأبه بي، وأنا أتدخل أحياناً، وأحيانا أستمرئ دور المراقب. * كيف كانت بداية علاقتك بالمسرح؟ - في عام 1969 بدأت بكتابة مسرحية شعرية بعنوان «سيفك يا طومان باي»، وتوقفت عن الكتابة عندما رحل عبد الناصر، لأعيد بناء الشخصيات مستفيداً من مجريات الأمور بعد تولي السادات، وانتهيت من كتابتها عام 1971 لكنني لم أفلح في نشرها، لكن العلاقة الحقيقية بالمسرح كانت مبكرة، فابن عمتي «محمود السعيد»، كان ممثلاً في فرقة المحلة المسرحية التابعة ل(شركة مصر للغزل والنسيج) التي كان يعمل فيها، كان نجماً، ومدعاة للفخر في العائلة، ومحاطاً بإعجاب المشاهدين، كما أن أبي في شبابه انضم إلى فريق التمثيل الذي كوّنه المخرج الكبير «صلاح أبو سيف»، من العاملين بالشركة، وكان صلاح في أواخر العشرينات موظفاً بالشركة قبل أن يتركها ليلتحق باستوديو مصر، كان نجاح محمود السعيد يثير ذكريات أبي فيحكي لي عن علاقته بصلاح أبو سيف، وكيف كان يتجول بفرقته بين القرى. وعندما التقيت صديقي الروائي والقاص محمد المنسي قنديل، في مرحلة الدراسة الثانوية، أطلعني على مسرحية له أدهشتني، الغريب أن المنسي توقف عن كتابة المسرح، لكننا صرنا نقرأ في المسرح كثيراً، بل كنا نسافر إلى القاهرة لحضور المسرحيات، رأينا «الفتى مهران»، و«ليلة مصرع جيفارا»، و«مارا صاد»، وغيرها، سواء في المسرح القومي، أو مسرح الجيب، وسحرتني «رجل القلعة»، و«مأساة الحلاج». * لماذا انصرف أبناء جيلك عن كتابة المسرح الشعري في حين قدمته أنت في أكثر من عمل؟ - منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي، أفل بريق المسرح، كأننا كنا نكتب في الوقت الخطأ، كتب محمود قاسم، ووليد منير، ومحمد سليمان، وأحمد الحوتي، ولم يصل منهم إلى خشبة المسرح سوى أحمد الحوتي ومحمود قاسم، مرة واحدة لكل منهما. * هل هناك إضافة قدمتها للمسرح الشعري في هذا الاتجاه؟ - هنا أذكر معاناة صلاح عبد الصبور في تطويع التفعيلات للحوار المسرحي، لكنني استوعبت إنجازه، ومضيت خطوة في الطريق، كان مسرح صلاح عبد الصبور يقوم على الأسطورة والتاريخ، وكنت أرى أنهما بذاتهما يضمنان شعرية العمل، أي شعرية سابقة التجهيز، وكان سؤالي ماذا عن مسرح شعري يقوم على مجريات الحياة اليومية، وأبطاله ليسوا في عظمة الحلاج، أو الفتى مهران، بل أناس عاديون ومهمشون، وليسوا بالضرورة أصحاب قضايا كبرى. * هل ترى أن الجوائز المخصصة للمسرح كفيلة بإقالته من عثرته؟ - قيام المسرح ليس رهناً بالنصوص الجيدة فقط، إنه يحتاج إلى تمويل، وإلى مخرجين بحق، وإلى اهتمام الدولة، عندما عرضت مسرحية «السهروردي» على الفنان محمود الحديني، وكان وقتها المسؤول عن المسرح القومي، أشاد بها، لكنه قال إن هذه المسرحية تحتاج إلى المسرح القومي، وتحتاج إلى مليون جنيه من أجل الملابس، والديكورات، وأجور الممثلين المحترفين، خاصة أنها شعرية. * ما الذي لفت انتباهك إلى السهروردي حتى تضع مسرحية عنه؟ هل هناك إسقاطات ما على اللحظة الراهنة؟ - طبعا المسرحية تصور مكابدات ومعاناة ضحايا الاجتهاد الديني، وتشير إلى جينات العنف والإرهاب، كما أنها تعد استكمالاً لمسيرة رائدنا صلاح عبد الصبور * هل هناك تقاطعات بين السهروردي ومأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور؟ - صلاح عبد الصبور فتنة وغواية لكل الشعراء من بعده، وأنا واحد من تلاميذ صلاح عبد الصبور، وقد كتبت المسرح، خاصة «ليلة السهروردي الأخيرة» بالسحر الذي ظل فيّ لأكثر من ثلاثين عاماً، منذ أن رأيت «مأساة الحلاج»، الآن فقط يمكنني الادعاء بأنني من تلاميذ هذا الرائد المصري العظيم، ترى لماذا فتنني صلاح؟ هل لأن في إبداعه الشعري حواراً ثلاثياً، بين ذات الشاعر الناظرة، وذاته المنظور إليها، وبينهما وبين الأشياء في العالم؟ هل لأنه في التشكيل يربط الشعر بالرقص، والموسيقى، والفلسفة؟ هل لأن لغته لغة الحياة، وذات نكهة غنائية ودرامية، كثيفة وعميقة في آن؟ لغة تجمع بين البساطة المفخخة والسهولة الملتبسة؟ أم هو كل هذا معاً في سبيكة نادرة؟ * وماذا وجدت في مأساة الحلاج تحديداً؟ - «مأساة الحلاج» لا تنغلق على ذاتها باعتبارها نقيضاً فنياً للواقع المعيش، بل وجود مواز لهذا الواقع، ومتفاعل معه، ليدرك المشاهد الخلل الحادث في الواقع، وقد نجح صلاح عبد الصبور في خداع نقاده، حين أحال مسرحيته «مسافر ليل» على تأثره بمسرح العبث، إذ إن صلاح عبد الصبور استخدم ما أسماه بريخت «بالإيماءة» لصنع عالم تغريبي، كان عذاب الحلاج طرحاً لعذاب المفكرين وحيرتهم بين السيف والكلمة.

مشاركة :