تعيش الدول العربية خلال هذه الفترة الكئيبة من تاريخ الأمة العربية مرحلة هي الأسوأ في تاريخها المعاصر فهي من دون مشروع سياسي أو حضاري تقريبا منذ سقوط المشروع القومي العربي بجميع أشكاله وصوره وما شهدته المنطقة العربية من حروب تدميرية وما رافقها من تشكيك في الرابطة الجامعة بين العرب. في الوقت الذي شهد الكيان العربي تراجعا وتفككا خطرا غير مسبوق شهدت المنطقة صعود ثلاثة مشروعات خطرة ومخيفة على أمن واستقرار وتطور البلاد العربية وهي المشروع الصهيوني الذي يعمل على الاستيلاء على جميع الأراضي العربية المحتلة وتحويلها إلى ملكية إسرائيلية أبدية مثل القدس والضفة والقطاع والجولان وغيرها مع التحول إلى القوة الضاربة في المنطقة تسرح وتمرح في السماوات العربية من دون رادع أو متصدٍ لها إضافة إلى عمل الكيان الصهيوني على اختراق العالم العربي اقتصاديا وإعلاميا بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية لتتحول الأسواق العربية إلى مكان مفتوح للصناعة والبضاعة الإسرائيلية بعد أن كان هذا الكيان محاصرا ومخنوقا لا يجد شبرا واحدا في أي أرض عربية أو إفريقية أو في أمريكا اللاتينية. الثاني: المشروع الإيراني الخطر الذي انطلق عام 1979 مع ما سمي الثورة الخمينية والذي يقوم على أساس تصدير الثورة إلى المحيط العربي الإسلامي وهي «ثورة» بائسة جاءت بنظام ثيوقراطي يقوده رجال دين متطرفون وقوميون فرس يحلمون باستعادة الإمبراطورية الفارسية وتمددها على حساب الأراضي العربية وهذا المشروع مخيف لأن يجري تنفيذه على الأرض بدقة حيث تتمدد إيران حاليا في كل من العراق ولبنان وسوريا واليمن بشكل مباشر. الثالث: المشروع الثالث المخيف أيضا هو المشروع القومي التركي الذي يلبس عباءة الإسلام السياسي من خلال حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوجان ويقوم هذا المشروع على أساس سياسي واقتصادي للتمدد في المنطقة العربية بالاستفادة من العلاقات التاريخية التي تربط بين تركيا العثمانية ودولنا العربية. هذا المشروع القومي التركي تبلور بشكل كبير وواضح منذ صعود حزب العدالة والتنمية الذي يقوم على رؤية جديدة لموقع تركيا ومكانتها ودورها على الصعيدين الإقليمي والدولي ويعتبر العالم العربي في إطار هذه الرؤية المجال الحيوي لهذه الرؤية التركية العثمانية انطلاقا من خلفية دينية وقومية. وقد تعاظم الدور التركي بأبعاده المتعددة خلال العشر سنوات الأخيرة بوجه خاص من حكم أردوجان حيث تحولت السياسة التركية نحو «العالم العربي» كبديل عن تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والتي صارت مستحيلة أو شبه مستحيلة وقد جاءت السياسة التركية في البداية بنوع من الانفتاح والتعاون مع العرب وخاصة عند استخدام بعض الشعارات المدافعة عن القضية الفلسطينية ولكنها سريعا ما كشفت عن طبيعة المشروع الذي يراد نشره في العالم العربي وتحويله إلى جسر لتمرير السياسات التركية العثمانية خاصة مع ما سمي ثورات الربيع العربي وما نتج عنها من ضعف للجسم العربي والذي أتاح لتركيا كما إسرائيل وإيران التمدد على حساب العرب كما أن الخلافات العربية العربية قد سمحت لتركيا بترسيخ أقدامها في بعض المناطق عسكريا إضافة إلى الجانب السياسي والاقتصادي. وقد رأينا تركيا الأردوجانية كيف وقفت ضد الدولة المصرية وكيف وقفت ضد الجيش الوطني الليبي وكيف دعمت قوى الإسلام السياسي في مختلف المناطق العربية بالدعم والتمويل والتدريب بل رأينا كيف كان لتركيا الأردوجانية دور تخريبي مدمر بالنسبة إلى الدولة السورية حيث شكلت الأراضي التركية القاعدة الخلفية للمليشيات والجماعات الإرهابية التي دخلت عبر الحدود التركية السورية لمحاربة الدولة وتمزيق أوصالها تحت شعار محاربة النظام السوري وهي في الحقيقة تهدف إلى خلخلة الدولة السورية وإضعافها من أجل أن تتحول سوريا في النهاية إلى امتداد للدولة التركية. كما أن الدور التخريبي الذي تلعبه تركيا حاليا في الشقيقة ليبيا خاصة في مواجهة الجيش العربي الليبي مع المليشيات الإرهابية التابعة للإسلام السياسي بمختلف توجهاته. إن هذه التوجهات التركية بدأت تظهر آثارها السلبية في العديد من المناطق حيث تستمر تركيا «وريثة الدولة الإمبراطورية العثمانية» جغرافيا وتاريخيا واقتصاديا في السيطرة على مساحات جيوسياسية في المنطقة العربية وذلك تحت عنوان تطوير العلاقات مع الدول العربية ولكن الملاحظ أن تركيا في إطار خدمة مشروعها القومي استطاعت أن تدعم الأحزاب والجمعيات والجماعات التابعة للإسلام السياسي سواء لتقاسم السلطة مع أحزاب أخرى مثلما هو الحال في تونس أو الصراع من أجل السيطرة الكاملة على السلطة مثلما هو الحال في ليبيا أو التدخل العسكري الشامل ودعم المليشيات والجماعات واحتلال الأراضي مثلما هو الأمر في سوريا حيث تحتل القوات التركية أجزاء مهمة من الشمال السوري كما تتدخل عسكريا بشكل مباشر في الشمال العراقي تحت عنوان محاربة ومقاتلة حزب العمال الكردستاني.
مشاركة :