كل عيد من أعياد الأمة الإسلامية هو حضور مكثف لمعان روحية سامية ولمشاعر إنسانية واجتماعية صادقة، واليوم يهل علينا عيد الفطر المبارك بأنواره مضيئا ــ رغم كل ما تمر به الأمة الإسلامية من محن ومصاعب في حواضر وقرى هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف بين قارات العالم - نفوسهم ببشائر الخير والإيمان وأن الخالق -سبحانه وتعالى- معهم حيث كانوا يسبغ عليهم الرحمة ويخفف عنهم ما يواجهونه من الدسائس والمكائد والشرور التي تحاك ضد بلدانهم. بدورهم يمتلئ المسلمون بالامتنان لبارئهم ويدفعون بطاقات العمل لخير مجتمعاتهم وأسرهم وأمتهم حيثما كانوا. يتخذون من الجذوة الروحية التي تتقد في أعماقهم حرصا شديدا على عمارة هذه الأرض بالتنمية والأمن والسلم الاجتماعي في أقطار المعمورة كلها، وفي الوقت نفسه وفي هذه الجذوة نفسها يصبح كل واحد منهم حضنا مفتوحا لعناق أخيه عندما يلتقيه في مجلس أو شارع أو مكان عبادة أو دائرة عمل، يتلاحم الجميع في أواصر أخوة تتلاشى فيها صغائر الضغائن وحزازات النفوس. السعودية أيضا هي تلك الإشارات الروحية والاجتماعية تغمرها من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب وعلى نحو أكثر فرادة من غيرها من بلدان العالم لأن الخالق سبحانه حباها كي تكون موئل المشاعر المقدسة، ففيها الحرم المكي بكعبته المشرفة التي تتوجه إليها الجموع المسلمة عند كل صلاة فهي مهوى أفئدة كل مسلم ومستقر الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي الحنيف، حيث إلى جانب الحرم الشريف ومطافه ومسعاه توجد المشاعر المقدسة الأخرى، ففي مكة منى وعرفات ومزدلفة، وفي المدينة المسجد النبوي الشريف وعديد من البقاع المقدسة، ومن أجل كل ذلك تكرس القيادة السعودية برعاية خاصة من لدن خادم الحرمين الشريفين جل اهتمامها للعناية بالأماكن المقدسة عمارة وتوسعة وخدمات نوعية راقية في المواصلات والإسكان والخدمات الصحية والإرشاد والحفاظ على السلامة والأمن لجميع ضيوف الرحمن في موسم الحج وفي كل موسم من مواسم العمرة، والعالم يشهد للسعودية حجم الإنفاق الهائل الموجه إلى نظافة وصيانة ورعاية الأماكن المقدسة وكل ما يحيط بها من خدمات، جعلتها المملكة على أحدث وأيسر الطرق منذ وصول الزائر إلى الأماكن المقدسة حتى مغادرته. المجتمع السعودي هو أيضا يحتشد بحفاوة روحية وإنسانية تحيطه طوال أيام هذا العيد المبارك، وفي الوقت نفسه يحيط المعتمرين والزائرين ويحرص على أن يجد المقيم والزائر في جنبات بلاده كل الأخوة والأمن والسلام. إذا كان هذا هو الدأب والديدن للسعودية قيادة وشعبا مع كل عيد فإن لهذا العيد تميّزه الخاص على المستويات الرسمي والشعبي والأممي، فقد شهدت مكة المكرمة في أيام معدودة قمما ثلاثا: هي قمة مجلس التعاون الخليجي والقمة العربية وقمة منظمة التعاون الإسلامي التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين من أجل الوقوف ضد التغولات الإيرانية وتهديداتها للعبث بأمن المنطقة وتداعيات قد تطول إمدادات الطاقة وما تواجهه القضية الفلسطينية من مخاطر. واستقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان قادة وزعماء العالمين العربي والإسلامي، حيث تمخضت هذه القمم عن مجموعة من القرارات أكدت الوقوف صفا واحدا ضد الأعمال الإرهابية التي يقوم بها النظام الإيراني وتدخلاته السافرة في المنطقة ودعوته إلى الكف عن كل ما من شأنه أن يخل بمنظومة الأمن والسلم أو يهدد إمدادات الطاقة، كما شددت على مركزية قضية فلسطين وقضية القدس الشريف بالنسبة للأمة الإسلامية، وجددت القمة الإسلامية دعمها المبدئي والمتواصل على المستويات كافة للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وأكدت ضرورة حماية حق العودة للاجئين بموجب القرار 194 ومواجهة أي إنكار لهذه الحقوق بكل قوة. وأدانت القمة بشدة الاعتداء الإرهابي على محطات الضخ البترولية في مدينتي الدوادمي وعفيف في السعودية، وأعربت عن كامل تضامنها مع السعودية ودعمها اللامحدود لجميع الإجراءات التي تتخذها لحماية أمنها القومي وإمدادات النفط. كما أدانت القمة بشدة الأعمال التخريبية التي تعرضت لها أربع سفن تجارية في المياه الاقتصادية الإماراتية في بحر عمان. هكذا كانت السعودية وطنا يجنّد نفسه لنصرة السلم والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم كله، ويسعى إلى تنعم الشعوب بتنمية وتقدم مستمرين، وهي حين تستضيف تلك القمم وتقوم بشتى الجهود على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية كافة فإنما تريد أن ينعم الجميع بخير واطمئنان دائمين على مدى الأيام، وبالتالي تصبح أعيادها الروحية مباركة للبلاد والعباد. كل عام وأنتم بخير.
مشاركة :