د. عبدالله النجار من فضل الله سبحانه وتعالى على البشرية كلها، أنه أنزل لها القرآن الكريم، وجعله خاتماً لرسالات السماء ووحي الله للعالمين، ولأن القرآن الكريم يمثل الحلقة الأخيرة من هذا الوحي الإلهي، الذي بدأ بما نزل على أبينا آدم، ومروراً بأبنائه، ومنهم نوح وداود وسليمان وأيوب ويونس وهود وإبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى عليهم السلام، ثم خاتم النبيين والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه بذلك الختام قد تضمن كل ما يحتاجه البشر من أسباب الهداية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولهذا كان القرآن الكريم محتوى لتلك الحاجة البشرية الملحة من كلام الله، وما تضمنه من قصص السابقين التي أوردها، لأخذ العبرة منها إن كان ما قدموه سيئاً، أو للاقتداء بها إن كان ما تضمنته حسناً، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة اعتدنا لهم عذاباً أليماً. لقد بيّن هذا القول الكريم أن القرآن العظيم يهدي الناس جميعاً لما هو أقوم وأرشد وأحسن في حياتهم، وبما يضمن لهم سعادة الدارين والفلاح في الحياتين الأولى والآخرة، وأن من يقبل منهج الله ويقتدي به يكون أهلاً للبشرى في الدنيا والآخرة، وأن له من الأجر ما يكافئ ذلك الإقبال على منهج الله - عز وجل - والامتثال له، وأما من يعرض عن هذا المنهج، ويركب رأسه ويتبع هواه، ولا يؤمن بما أخبر به هذا الكتاب الكريم مما يستوجب الاستعداد للآخرة من الإيمان بالله والعمل الصالح، فإن له عذاباً أليماً يكافئ ذلك المسلك المناوئ لمنهج القرآن الكريم. كتاب هداية وفي بداية هذا الكتاب الكريم - سورة البقرة - يصف الحق سبحانه القرآن بأنه هدى للمتقين، فقد أشار هذا القول الكريم، إلى أن القرآن الكريم كتاب هداية، وأنه لا ريب في هذا المقصد القرآني الأسمى، لكن الهداية التي تضمنها هذا الكتاب الكريم لا تكون إلا لمن جعله الله تعالى أهلاً لها، وذلك لوجود الاستعداد فيه للهداية، ومن يركب هواه ويغتر بمواهبه أو بما هيأه الله له من أسباب التمكين، لن يكون أهلاً لتلك الهداية، فإن الإيمان يقتضي استعداداً للتمسك به، والامتثال له، والتنازل عن كبرياء النفس خضوعاً لخالق النفس وهو الله سبحانه، ولذلك قال تعالى: هدى للمتقين، وهم الذين يخشون ربهم بالغيب ويعبدونه لأنه يستحق العبادة، كأنهم يرونه، وهم إن لم يكونوا كذلك، فهم يؤمنون بأنه سبحانه يراهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مبيناً مقام الإحسان، وفقاً لما جاء على لسان جبريل عليه السلام، وهو يخبره به: الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. ثم فسر القرآن الكريم مقام أهل التقوى هؤلاء فقال: الذين يؤمنون بالغيب، فأورد الحديث عن الإيمان أولاً باعتبار أنه أول مطلوب الله من خلقه، فإن الله تعالى ما خلق الناس إلا ليعبدوه ويؤمنوا به ويوحدوه ولا يشركوا به شيئاً: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، حيث حصر مهمة الخلق في عبادته، وهذه العبادة لا تستقيم إلا بالإيمان به أولاً، وبعد الإيمان به يجيء العمل الصالح الذي يصدق هذا الإيمان، ومن أولويات هذا العمل إقامة الصلاة، وهي تعني ما هو أعم من أدائها، حيث يشمل ذلك القيام توافر كل شروطها وأركانها ومنها: الطهارة والنية واستقبال القبلة، ومراعاة ترتيب الصفوف في الجماعات، وما يتعين عمله في صلاة الجمعة والأعياد والسفر والإقامة، فإن ذلك كله يدخل في إقامة الصلاة ويتجاوز أداءها في فريضة معينة أو في وقت محدد. وبعد الصلاة يجيء في ترتيب الطلب الشرعي بقية مطلوبات الشارع، من الصيام والحج، وأداء الزكاة، ومن ثم يكون الحديث في هذا القول الكريم قد جاء مبيناً مسالك الهداية في الإيمان والإسلام. عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
مشاركة :