من لم يقرأ كتاب «الأمير» لميكافيللي، والذي يعد مؤلفه في نظر الكثيرين من علماء السياسة مؤسسي «علم السياسة الحديث» باعتباره علماً يتمحور حول السلطة والحكم، يستطيع من خلال تتبع مواقف بنيامين نتانياهو قبل الانتخابات الأخيرة وبعدها، أن يلمس أثر «الميكافيلليه» السياسية في تكوينه، وعلى نحو خاص ذلك المبدأ المعروف «الغاية تبرر الوسيلة»، وهو المبدأ الذي يمثل أحد أهم النصائح التي قدمها «ميكافيللي» في هذا الكتاب المشهور، الذي أثر في البعض من ساسة وقادة القرن العشرين وما قبله، يكمن الفارق بين الظروف التي كتب فيها هذا الكتاب في عصر النهضة، والذي لم تكن فيه الديمقراطية قد ولدت بعد، في حين أن نتانياهو يمارس السياسة في إطار ديمقراطية برلمانية الحكم فيها هو صوت المواطن الذي يدلي به في الانتخابات. كان قرار نتانياهو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة قبل انتهاء ولايته، مسكوناً بهاجس تعزيز مكانته في مواجهة الاتهامات التي تلاحقه من قبل المدعي العام المتمثلة في خيانة الأمانة وتلقي هدايا من رجال أعمال وشبهات في صفقة الغواصات الألمانية؛ وكان يرى في ذلك أن فوزه في هذه الانتخابات سيمنحه الفرصة لتمرير «القانون الفرنسي» أي تشريع على شاكلة هذا القانون الذي يحول دون محاكمة رئيس الوزراء أثناء ممارسة ولايته، وما أن أسفرت انتخابات الكنيست الحادية والعشرون عن فوزه بأغلبية توصيات الكتل البرلمانية اليمينية التي أوصت بتكليفه بتشكيل الوزارة، حتى شرع مجدداً في محاولة تقليص سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية في رقابة الكنيست والتشريعات والقوانين الصادرة عنها؛ بهدف تحصين شخصه ضد الملاحقة القضائية والتهرب من المثول أمام القضاء بسبب لائحة الاتهامات المنسوبة إليه. ولكي يحول نتانياهو دون تكليف رئيس الدولة لشخصية أخرى من الكنيست لتشكيل الحكومة؛ فضل اللجوء إلى إجراء انتخابات جديدة بعد أن صدق الكنيست في القراءة الثالثة على قانون مقدم من حزب الليكود لحل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة في السابع عشر من سبتمبر، لكي يصبح الكنيست الحادية والعشرين الأقصر عمراً في تاريخ مؤسسة الكنيست، منذ إنشائها حيث لم تستمر إلا لأقل من شهرين؛ كما يصبح نتانياهو شخصياً الثالث من بين أولئك الذين كلفوا بتشكيل الحكومة ولم ينجحوا في مهمتهم بيريز 1990، وتسيبي ليفني عام 2008. اجتمع الفشل في تشكيل الحكومة مع محاولة نتانياهو تغيير النظام القضائي المعمول به، بالإضافة إلى اللجوء لحل الكنيست بعد أقل من شهرين على تشكيله، ليمثل قمة المأساة التي يعاني منها نتانياهو، تلك المأساة التي حولت انتصاره في انتخابات الكنيست الحادية والعشرين، إلى هزيمة معنوية ومهينة للسياسي الإسرائيلي، الذي كان على وشك تقلد ولاية خامسة في إسرائيل تجعله يتفوق على بن غوريون «مؤسس الدولة» في بقائه في هذا المنصب. يعتقد نتانياهو أن ذهابه إلى الانتخابات مجدداً قد يضمن له الفوز فيها مرة أخرى مع معسكر اليمين، وبافتراض إمكان حدوث ذلك – وهو على أي حال ممكن - فإن نتانياهو قد خسر السباق مع الزمن على ما يبدو؛ فمراهنته الأولى في الكنيست الحادية والعشرين كان يرتبط نجاحها بنجاحه في تشكيل الحكومة والحصول على الأغلبية المطلوبة في الكنيست قبل حلول موعد جلسات الاستماع وتتابع حلقات المساءلة القضائية عن لائحة الاتهامات الموجهة ضده، أما في هذه المرة فيبدو أن الوقت ليس لصالح نتانياهو، لأن الانتخابات للكنيست الثانية والعشرين، ستجرى في 17 سبتمبر، ولو كلف بتشكيل الحكومة حتى بافتراض نجاحه في هذه المهمة فإنه يكون قد دخل في شهر أكتوبر أو مطلع نوفمبر عام 2019، وهو بالتحديد موعد جلسات الاستماع وتتابع حلقات محاكمته، وإذا ما تبين أنه مذنب ومدان سيصدر بحقه أحكام، وتكون الصورة قاتمة قائمة أمامه، فمن من الأحزاب والتكتلات البرلمانية على استعداد لدعم رئيس وزراء فقد الثقة والاعتبار ومهدد أن يكون وراء القضبان؟ من المرجح أن يعيد الجميع النظر في أمر استمرار الائتلاف على ضوء المعطيات والمتغيرات الجديدة.طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :