اليسار العربي إلى أين؟ (2)

  • 6/8/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

انتشارالنظام الليبرالي، وتحوله الى نموذج عالمي، له مسوقاته وأسبابه، فالتجربة أكدت توفر أسباب نجاح هذا النظام على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأعتقد أن هذا الانتشار والانتصار، يعزز موقف اليسار العربي في البلدان العربية في الوقت الراهن، باعتبار أن الأثنين – اليسارية والليبرالية – خرجتا من معطف واحد هو معطف الرأسمالية والحداثة الغربية، وكلاهما نتاج الثورة الصناعية والحداثة، وهما، بالإضافة أيديولوجيتان متسقتان مع ظروف العصر، وقد أثبتا نجاحهما معا، فاليسار في الغرب – كما أوضحنا في مقالة سابقة - اقتنع قبل عقود أن النظام الليبرالي الديمقراطي له محاسنه الكثيرة رغم سلبياته، كما اقتنع اليمين المحافظ بدوره، أن الاهتمام بالعدالة الاجتماعية، التي يركز عليها اليسار، هي دعامة للإستقرار السياسي والاجتماعي.  لذا شهدت العقود الأخيرة في الغرب تقارب اليسار واليمين - وإن إلى حد نسبي - في وجهات النظر الى حدود لم تكن متوفرة في الماضي، وفي السنوات الأخيرة، بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي ضربت الغرب والولايات المتحدة في العام 2008، ومع تصدع النظام الرأسمالي (في عصر العولمة وضرباتها القاسية على الطبقة محدودة الدخل والوسطى) شهدنا اهتماما جديدا بتراث الفكر اليساري، خصوصا فيما يخص تحليلات كارل ماركس للرأسمالية كنظام طبقي جائر.  لكن فيما كانت الليبرالية تميل الى الرأسمالية، كان اليسار يميل إلى الاختلاف معها، كونها أخفقت في تحقيق نظام اجتماعي عادل، إذن الاختلاف بين اليسار والليبرالية، لا يلغي نقاط التشابه بين التيارين، خصوصا في السنوات الأخيرة. وبسبب هذا التقارب النظري والعملي، لم يكن صعبا على اليسار العربي أن يتقارب أو يندمج في الليبرالية ونظامها الديمقراطي التعددي، الذي بدأ يظهر في الفترة الأخيرة، كخيار جديد ناجح في الوطن العربي.  النظام الليبرالي أيضا أسس نجاحات مهمة في غير الدول الغربية وأمريكا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرهم من الدول النامية. وكما نلاحظ موخرا، فالنظام الليبرالي الديمقراطي أيضا حقق نجاحا في مصر والمغرب، والمؤشرات الحالية توضح أن بقية الدول العربية ستسير في هذا الاتجاه، بدفع من الظروف الموضوعية العالمية والذاتية المحلية. وأعتقد أن الأطياف السياسية جميعها في الوطن العربي، ستسعى لتغيير توجهاتها وقناعاتها ومواقفها، بناء على الخبرات الجديدة، لتلائم المستجدات التي أفرزتها التجارب في العالم وفي الوطن العربي، هذا التلائم والإندماج – الذي حدث وسيحدث – ستكون له أهمية كبيرة في تغيير مسار الحياة السياسية العربية، حيث بدأت كل الأطياف السياسية، بما فيها التيارات الدينية، تصبح أكثر تقبلا للديمقراطية الليبرالية، كما هي أكثر تقبلا للآخر المختلف، وذلك لم يكن متوفرا قبل عقدين من الزمان، ما يعني أن الثقافة الديمقراطية في الوطن العربي، هي في حالة نمو متصاعد.  ما يجمع هذه التيارات التي تشكل كل أطياف المجتمعات العربية هي المصلحة العامة، في اطارمجتمع ديمقراطي متنوع يمثل كافة التوجهات، ويتقدم بثبات وتصاعد، ويحقق أهداف التنمية والإزدهار، وعدالة توزيع الثروة تحت مظلة السلم الأهلي، الذي من دونه لا يمكن أن تتحقق هذه الأهداف.  رغم أننا نعرف تماما أن هناك أطيافا سياسية عربية – في كل التيارات - لا زالت تعيش في فوضى فكرية عارمة هي نتاج فوضى سياسية عمت الوطن العربي في العقود الأخيرة ولا تزال.

مشاركة :