عادة يكون سقوط المشاهير من الساسة والفنانين ورجال المال والأعمال والدين سقوطا مدويا، تهتز لتداعياته قوى ونخب وأطر وقد تصيب المجتمع برمته. في مثل هذه السقطات لا يكون السقوط عابرا، ولا هامشيا، أو غير ذي شأن، بل العكس صحيح جدا. وكلما كان الإنسان الهاوي نحو القاع ذا شأن أكبر واهم في مجتمع ما، كانت الاهتزازات أعظم وأكثر صخبا، وشظايا السقوط القنبلة تكون أكثر دويا وتأثيرا على المجتمع والقوى الفاعلة فيه. سقوط بنيامين نتنياهو يوم الأربعاء الماضي، واضطراره وحزبه إلى التصويت على حل الكنيست الـ21 بعد مضي شهر على أداء يمين القسم لنوابها، هو سقوط من العيار الثقيل، هز المجتمع الإسرائيلي عموما واليمين المتطرف خصوصا، ووصلت شظايا سقوطه الى البيت الأبيض الأمريكي، وطالت أركان الإدارة الترامبية. هوى نتنياهو من أعلى قمة الهرم السياسي الإسرائيلي متدحرجا، لم يجد يدا توقف سقوطه نحو المستنقع الآسن، حتى أقرب مريديه وأنصاره من القوى اليمينية المتطرفة ذهبت إلى مقصلة الانتخابات القادمة على عيونها، مجبرة ومرغمة على ذلك، ولاعتقاد القائمين عليها أنها أفضل الخيارات. كان نتنياهو يصارع حتى ربع الدقيقة الأخيرة ليحول دون الذهاب إلى الانتخابات للكنيست الـ22. لكنه فشل، وتمكن ليبرمان خصمه اللدود من تصفية حساب كبير وطويل بينهما، على ما يبدو له علاقة بما كان بينهما منذ عمل معه مديرا لمكتبه حتى استقالته من وزارة الحرب في نوفمبر 2018. لم يرحم ليبرمان حليف الأمس، ولم يذرف الدموع على سقوطه، بل بكى فرحا. وبات حلم نتنياهو في البقاء على رأس الحكومة، وتشكيل حكومته الخامسة والهرب من دوامة قضايا الفساد التي تطارده والحؤول دون دخول السجن من نسج الخيال، وباء طموحه بالفشل والهزيمة المريعة. وهنا تبرز أسئلة عديدة في ظل الواقع الجديد، هل يبقى نتنياهو على رأس الليكود؟ هل يسمح أقرانه وخاصة خصومه له بالاستمرار على رأس الحزب، أم يرفضون ذلك؟ هل يبقى «بيبي» في الليكود، أم ينشق عنه؟ هل يتحالف مع سموتيرطش وأقرانه في اليمين الفاشي؟ هل تحول التطورات السياسية الجارية في إسرائيل والإقليم دون سقوطه؟ هل يذهب الى الحرب على قطاع غزة ليعيد الاعتبار إلى مجده في الوقت الضائع؟ أم يذهب إلى الحرب مع «حزب الله»، أو باتجاه إيران؟ وهل إعلان أي حرب حاليا يخدم توجهه أم العكس؟ أم يلجأ إلى البحث عن فضائح لخصومه ومنافسيه؟ وفيما إذا بقي على رأس الليكود، هل يبقى أقرانه أمثال «ساعر» خصمه الصعب ومن معه داخل الليكود، أم يذهبون للانشقاق عنه، ويتركونه وحيدا مع من هم على شاكلته؟ وما مصير الليكود والخارطة الحزبية في إسرائيل؟ من المؤكد، أن نتنياهو سقط، وكنت أشرت، إلى أن نجمه آيل للسقوط، وأنه يمضي بخطى حثيثة نحو الأفول، ويسير من دون تردد إلى أقبية زنازين السجن ليمضي بقية حياته هناك كعقاب على قضايا الفساد الأربع، التي تلاحقه على مدار الساعة. ومهما ادعى بعض اقرانه ومريديه في الليكود من «الجزم» بأنه باق على رأس الحزب، فهو ادعاء لحظي ووهمي وانفعالي، مرتبط باللحظة الأولى للهزيمة المدوية. لكن مع برود الجرح وتصاعد حدة الآلام، سيصحو زعماء وكوادر وقواعد الليكود على المصيبة، التي سببها لهم وجود نتنياهو على رأس الليكود، ومحاولاته البائسة والمسعورة لسن قانون الحصانة الفرنسي، لحماية ذاته من السجن، أضف إلى ذلك انه ضاعف من حدة أزمة الحزب، ومن ردود الفعل الحزبية والاجتماعية والقضائية ضده، وضد من يقف معه في الشارع الإسرائيلي. وذات الشيء ينطبق على استطلاعات الرأي الراهنة، التي لا تفصل بين فوز اليمين وبين بقاء نتنياهو، وهو خلط متعمد لطمأنة نتنياهو وأقرانه، والزعم أنه «الملك» المتوج إلى ما شاء الله. نعم اليمين هو صاحب حصة الأسد في الانتخابات القادمة، لكن من دون بيبي. من البديهي وشبه المؤكد، ان يجري الليكود تغييرا في مركبات قائمته الانتخابية القادمة، والاحتمال ان يطاح بنتنياهو من رأس القائمة لإفساح المجال أمام الحزب لينجو من تبعات قضايا الفساد، التي تطارد زعيمهم. وفي حال تشبث بالبقاء، ووقف معه مريدوه، إن كانوا يشكلون الأغلبية داخل الليكود، فهذا قد يدفع بالآخرين أمثال جدعون ساعر، والمستائين من وجود «بيبي» إلى شق الحزب، أو دفع الزعيم الساقط إلى الخروج من دائرته. وقد يستبق نتنياهو أي خطوات دراماتيكية داخلية للجوء لخيار افتعال حرب على جبهة المحافظات الجنوبية (غزة)، أو مع «حزب الله»، أو حتى توجيه ضربة إلى إيران مستفيدا من المناخ الإقليمي والدولي ليخلط الأوراق، ويحتفظ بمكانته «الزعاماتية»، غير أن خطوة كهذه لا تنقذه، وقد يكون لها انعكاسات أخطر عليه وعلى إسرائيل. إلا أن المؤكد أن رئيس الحزب المهزوم لن يترك سيناريو أو بابا من دون أن يطرقه، ويضعه على طاولة حسابات الربح والخسارة، لأنه مسكون بكرسي الحكم أكثر من أي شيء آخر. وسيعمل مع حليفه، الرئيس ترامب وفريقه الصهيوني الاستعماري على تجاوز المحنة. لن يستسلم بيبي بسهولة لاشتراطات الهزيمة المرة. غير أن كل ما تقدم لن يمنح زعيم الليكود الساقط حبل النجاة، وأعتقد انه في الانتخابات القادمة حتى لو بقي على رأس الليكود، وبقيت الأمور على حالها، ولم تحدث أي تطورات دراماتيكية داخل الليكود، فلن يحصد الأغلبية، رغم أن الشارع الإسرائيلي شكل نسبيا حماية له خلال الانتخابات الماضية، لأنه لم يجد زعيما بديلا له، لكنه في الانتخابات القادمة، على ما يبدو لن يحظى بالحماية، وسيكون مآله التراجع، والانكفاء ثم السجن، ولن يحصل الليكود على الأغلبية. مائة يوم باقية للانتخابات القادمة، ستمضي سريعا، وتحمل في ثناياها العديد من السيناريوهات التي تم طرحها، أو ما لم يخطر لنا على بال، وتجيب عن أسئلة التحدي أمام نتنياهو. { كاتب من فلسطين
مشاركة :