الدوحة -الراية: صرخة في وجه العبث الإنساني والانجذاب نحو العنف تقدّمها حالياً مسرحية الأطفال “بلقيس طائر السلام” على مسرح قطر الوطني ضمن العروض المشاركة في سباق الموسم المسرحي، حيث يتصدى لإخراج هذا العمل الفنان صالح المناعي الذي حاول أن يعطي مسرحيته أبعاداً تتعدّى حدود الحكاية البسيطة، والعمل هو من إنتاج مؤسسة الإبداع للإنتاج الفني ومن تأليف وإخراج صالح المناعي ومخرج منفذ عبدالواحد محمد، ومن تمثيل بلقيس البلوشية، زينب العلي، خالد الحميدي، يوسف الحداد، هاجر ديبة، ومجموعة من شباب المسرح القطري، بينما قام بكتابة الأغاني تيسير عبدالله، ولحنها ناصر الحمادي، وأداء غنائي أسيل، وديكور محمد علي. والمسرحية تستعرض رحلة بلقيس، بطريقة أراد لها المخرج أن تكون رمزية، فقام بانتقاء بعض النماذج ليسلّط عليها الضوء بغرض إرسال رسالة للأطفال فحواها ضرورة أن يعم السلام، حيث سعى من خلال العمل إلى إيصال أصوات المقهورين في كل مكان، وكأنه يقول نحن نشعر بمُعاناة أطفالنا في سوريا، واليمن، وفلسطين، وكل بلد يشهد ويلات الحروب وتدور به نزاعات يدفع ثمنها الأطفال وليس فقط في العالم العربي، وإنما في سائر أنحاء العالم. محطات العمل وفي المسرحية تمّ نسج العديد من الأحداث حول الشخصية المحورية وهي بلقيس التي تلعب دوراً مؤثراً يهدف لإيقاظ الضمير البشري كما أراد المخرج أن يقدّم من خلال تلك الشخصية قيماً معينة، فتدور الأحداث حول بلقيس التي تتلقى رسالة من جدها أثناء نومها لتوجيهها إلى طريق الوقوف إلى جانب المظلومين في أي مكان، فتحكي هذا الأمر لمعلمتها في المدرسة، ثم تأخذ قراراً بأن تجوب مع صديقاتها في المدرسة بكل المناطق التي يتعرّض أهلها لظلم ويعانون ويلات الحروب، وفي أثناء ذلك تمرّ بعدة محطات تحاول خلالها أن تكون موجودة بجوار من يبحثون عمن يدعم موقفهم ويقويهم بالوقوف إلى جانبهم. معايير مسرحية وربما أكثر ما يعيب المسرحية هو اتخاذها لطريقة في التناول لا تتناسب بعض الشيء مع مسرح الطفل، ورغم المُباشرة في الحوار وتقديم النصائح بطريقة موجهة ولا يلفها أي نوع من الرمزية - التي غابت في التفاصيل بينما غلفت الإطار الخارجي للعمل – إلا أن الميل للبكاء ومحاولة اعتصار القلوب الصغيرة من المشاهدين الصغار كان أمراً غريباً، حيث يحتاج الطفل لأن يكتشف بنفسه معاني الخير والشر، وذلك بمساندة مجموعة من الشخصيات المحببة لهم، فتساهم تلك الشخصيات بردود أفعالها في دفع الطفل للتفكر وتعلم كثير من المفاهيم الأخلاقية الجميلة، كما يفضل أن تدور أحداث مسرحية الطفل ضمن إطار كوميدي بعيداً عن احتوائها على التخويف أو القتل أو الأشكال المنفرة، وهو ما تجلى في المسرحية خلال حكي إحدى الشخصيات التي تعيش في أحد أماكن الحروب عن فقدها لأمها وأخيها، بل وتقوم بتمثيل مشهد موت أخيها الصغير أمام أعينها وأعين المشاهدين، وهو ما كان يجب تجنبه مع الاعتماد على القيم والفضائل التي يتعلم الأطفال من خلالها الحبّ والتسامح وفهم المراد من خلال تشغيل العقل ودون تجسيد تلك المشاهد المأسوية. التماسك الدرامي وعلى الرغم من أن العمل يحمل العديد من الإسقاطات سهلة الفهم، لما يتناسب مع الأطفال باستخدام عدد من التقنيات البصريّة المُبهرة التي تتيح للمُتلقي فرصة الانتقال لزمن الحكايات، عبر أدوات حديثة، وهو ما يعدّ أهم ما ميّز ذلك العمل، إلا أنّ ما عابها هو افتقادها للتماسك بعض الشيء في طريقة بنائها، الأمر الذي كان يتطلب توافر بداية ووسط ونهاية، فالعمل عبارة عن لوحات لا يربط بينها سوى قرار أخذته الطفلة يقضي بجولة تقوم بها إلى عدد من مناطق الصراعات، وذلك دون الإشارة إلى الآلية التي أتبعتها لتنفيذ مقصدها، فبينما يأتي إليها الجد في المنام ويطلب منها الوقوف إلى جوار من يحتاج المساعدة، تذهب الطفلة للمدرسة وتخبر معلمتها بكلام الجد، وفي المشهد التالي تنتقل الأحداث إلى ميادين المعارك والمُستشفيات التي يعاني فيها ضحايا الحروب، حيث تتجول بلقيس بين تلك الأماكن دون الإشارة إلى من ساندها في فعل ذلك الأمر الصعب، خاصة على تلميذة مازالت تدرس في المدرسة، واللافت في العمل أنه قد تمّ التركيز على بلقيس دون زميلاتها اللاتي قمن معها بنفس الدور، حيث حازت تلك الشخصية دور البطولة دون مبرر درامي مقنع يقضي بضرورة اصطفائها. عناصر الفرجة وقد استخدم المُخرج كافّة عناصر الفرجة المسرحيّة بغرض التأكيد على مقاصده، وفي حين افتقدت بعض تلك العناصر للإتقان، نجحت أخرى، فنجد أن بعض الأغاني جاءت موظّفة درامياً وساعدت على تطور الحدث وتقدّمه للأمام كما أتت مكملة للنص الأصلي، وهو الأمر الذي جذب إليه الأطفال، بينما جاء الفاصل الموسيقي المشفوع باستعراض، مكرّراً بين مشاهد المسرحية القصيرة، ما أدّى إلى فقدان الإيقاع، كما افتقد الديكور للآلية التي تساعد على تقديم مناظر مختلفة بالاعتماد على نفس القطع، فجاءت مشهدية العرض مُتشابهة من حيث المناظر ما جعل المخرج يلجأ لطريقة لا تتناسب مطلقاً مع المسرح، حيث تمّت كتابة مسميات الأماكن على كل مشهد، كما افتقدت الملابس للمنطق، فطالبات المدرسة قمن بارتداء زيهن المدرسي بينما ارتدت بطلة العمل ووصيفاتها اللاتي اصطحبتهن معها في جولتها فساتين بيضاء بما يتناسب مع الرسالة التي ستقوم بتوجيهها نحو السلام. ومن ناحية أخرى، اجتهد الممثلون فحاولوا التواصل مع الصالة من خلال تقديم أداء متقن في بعض الأحيان، لكنه افتقد في أوقات أخرى القدرةَ على التواصل مع الصالة، التي شعر روّادها من الأطفال بالملل نظراً لعدم تمتّع الشخصيات في بعض لحظات المسرحية بالإيقاع السريع وسرعة البديهة، الأمر الذي كان كفيلاً لجعل الأطفال ينجذبون للعمل ويزداد إعجابهم وتعلو صوت ضحكاتهم إذا ما رأوا أمامهم نشاط المُمثلين مستمراً طوال العمل.
مشاركة :