من الخطأ الاعتقاد أن العداء الإيراني لدول الخليج بشكل عام والمملكة بشكل خاص بدأ منذ سنوات قليلة، بل هو منذ بداية الإسلام، وبالأخص منذ معركة القادسية الأولى التي قضت على الإمبراطورية الفارسية، فإيران تعمل على استعادة إمبراطوريتها القديمة، وهذا واضح من زرع العديد من الميليشيات في الدول العربية، مثل حزب الله في لبنان، وحركة تمرد الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وتدخل ميليشيات إيران في سوريا لدعم الأسد، وبعض محاولات نشر التشيع في بعض الدول العربية، في محاولة منها للسيطرة على هذه الدول، من خلال ما يسمى بولاية الفقيه. إن المخططات الفارسية القديمة - الحديثة تؤكد عمق العداء الإيراني ضد العروبة، بل وضد الإسلام نفسه، فإيران فعليا لا تتعامل مع الدول العربية على أنها دول مجاورة، ولكن تتعامل معها على أنها عدو اسمه «الخليج» حيث تغرس شبكات التجسس، وتشجع المعارضين على الانقلاب على حكامهم، وتدعم أي حراك تخريبي، ووصل الأمر إلى تنفيذ إيران هجمات على بعض المنشآت النفط السعودية، وناقلات النفط الإماراتية في الفترة الأخيرة. ومن المثير للضحك، والسخرية أحيانا، أن البعض ينفي أطماع إيران التوسعية في المنطقة، ويعتبرها مجرد تهم جزافية، رغم أن الأمثلة كثيرة، قديمة وحديثة، منها على سبيل المثال لا الحصر محاولة إيران ضم البحرين بعد انسحاب الاستعمار البريطاني، لكن الملك فيصل دعم استقلال البحرين، حتى تحقق في 1971 بعد استفتاء شعبي بحريني أجرته الأمم المتحدة في 1970، وكررت إيران هذا الأمر في البحرين من خلال تمويل بعض الحركات التخريبية للسيطرة على المنامة، ولكن حكومة البحرين استعانت بقوات «درع الجزيرة»، ومنذ تلك اللحظة الاستثنائية وإيران تشعر بالفشل في مد نفوذها على البحرين. ولك أن تعلم أن إيران تسعى لمد نفوذها في المنطقة بشكل غير مسبوق خلال هذه الفترة، مستغلة عدم وحدة الصف العربي، وتعرض بعض الدول لأزمات وجودية، نتيجة ما يسمى بالربيع العربي، ولعل تصريحات وزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي بأن إيران تسيطر فعلا على أربع عواصم عربية لخير دليل على ذلك، ليس هذا فحسب، بل إن نائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء إسماعيل قاءاني قال هو الآخر في وقت سابق «إيران مستمرة بفتح بلدان المنطقة وإن الجمهورية الإسلامية بدأت بسيطرتها على كل من أفغانستان والعراق وسوريا وفلسطين، وإنها تتقدم اليوم في نفوذها في بقية بلدان المنطقة»، على حد تعبيره. تتقمص طهران دور حامل لواء «مقاومة إسرائيل» كوسيلة لتوسيع شعبيتها في المنطقة العربية، في إطار تحقيق أطماعها التوسعية، وأنشأت ما يعرف بـ «فيلق القدس» في بداية التسعينات من القرن الماضي، لكي يكون أداة لممارسة النشاط العسكري في الدول العربية تحت غطاء ديني متمثل في تحرير القدس، فلك أن تعلم أن إيران أكثر الدول التي هاجمت إسرائيل لكن بالكلام فقط، فهي من هددت بإزالة إسرائيل من الخريطة، وتحدثت عن ضرورة الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس، ورغم ذلك لم تطلق رصاصة واحدة على تل أبيب، أليس هذا تناقضا واضحا في السياسة الإيرانية؟ إن أطماع إيران التوسعية وتمويلها للحركات التخريبية، لم ولن يحققا أي مكاسب لطهران، سوى مزيد من الأعباء على الموازنة، ومزيد من الفقر والبطالة للشعب الإيراني إن اعتبرنا أن هذا مكسب، بدليل انكماش الاقتصاد الإيراني، بسبب عدم قدرته على تمويل الحركات الإرهابية سالفة الذكر في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، إضافة إلى تأثره بالعقوبات الأمريكية بسبب البرنامج النووي. ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للجمهورية الإسلامية سيهبط بنسبة 6% عام 2019، بعد تراجع بنسبة 3,9% في 2018، ويلخص الباحث في الشركة الاستشارية الأمريكية «أوراسيا غروب» هنري روم، الوضع الاقتصادي في إيران بأنه سيئ ويتجه نحو «مزيد من السوء»، حيث انخفضت قيمة الريال الإيراني مقارنة بالدولار منذ مايو 2018 بنسبة 57% في الأسواق الحرة، مما أنتج ارتفاعا حادا في أرقام التضخم التي باتت تلامس 51% على أساس سنوي مقارنة بـ 8% قبل عام. إن التهديد الإيراني للمملكة واضح وصريح ولا يحتاج إلى أدلة وبراهين، ففي معرض أقيم على أرض مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، عرض عدد من الصواريخ والطائرات من دون طيار التي استهدفت السعودية من ميليشيات الحوثي الممولة من إيران، وتثبت بالأدلة تورط النظام الإيراني في هذه الأفعال الإجرامية والإرهابية، وعرض المعرض صواريخ استهدفت المملكة، وكانت عبارة عن صاروخ باليستي إيراني نوع «قيام» أطلق على العاصمة الرياض بتاريخ 25 مارس 2018، وصاروخ باليستي إيراني من نوع «قيام» أطلق على مكة المكرمة عام 2016، وطائرة من دون طيار إيرانية من نوع «أبابيل / قاصف»، وطائرة من دون طيار دعم إيراني «راصد»، و»آر بي جي» صناعة إيرانية، وزورق مفخخ مسير من بعد «تقنية إيرانية». أخيرا، إن التهديد الإيراني للمملكة وللخليج عبارة عن سرطان ينهش في جسد العالم العربي، وهذا يستلزم منا جميعا وحدة الصف، والتمسك بطاعة الله، وطاعة ولي الأمر الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فهما أدرى بشؤون البلاد، وعلينا جميعا أن ندرك أن الله لن يقف مع أمة تبتعد عن دينها تحت أي مبرر، أو تبتعد عن طاعة ولي الأمر، ولعل الأمثلة على ذلك كثيرة.
مشاركة :