لا تشكل شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العلاقات التجارية المستقبلية لبريطانيا فقط بل ستؤثر أيضا في سياستها الخارجية. وفي خضم فوضى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يجب على بريطانيا أن تعيد النظر في مكانتها في العالم لحماية مقعدها على المسرح العالمي الدولي، بدءا من الأنشطة الاقتصادية إلى غاية المشاركة العسكرية الناعمة. يتم تحديد المجالات الاقتصادية المربحة عبر الدول المتحالفة في حالة ظهور سيناريو دون صفقة. وجاء في الصفحة الإلكترونية لوزارة التجارة الدولية البريطانية أن “ترك الاتحاد الأوروبي مقابل صفقة ما زال يمثل الأولوية العليا للحكومة البريطانية”. ومع ذلك، تستمر الحكومة في تأخرها عن عقد الصفقة التي ستضمن استعداد البلاد لكل الاحتمالات. ومن العراق، عبر الخليج العربي، إلى اليمن، يعد الشرق الأوسط ساحة اقتصادية مهمة تمارس فيها بريطانيا استراتيجية تجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة. ويشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الحل النهائي الذي يسمح للمملكة المتحدة بأن تعيد نفسها إلى منطقة مزدحمة بالقوى من الولايات المتحدة وإيران وروسيا إلى الصين وكوريا الجنوبية واليابان. يعد الشرق الأوسط ساحة استثمارية مهمة ليس للمملكة المتحدة فحسب، بل بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي تتراوح ارتباطاته من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية إلى تحفيز نمو القطاع الخاص في إيران وفي مؤتمر صحافي في فبراير، قال وزير التجارة البريطاني، ليام فوكس، إنه وأفراد فريقه الوزاري قاموا “بأكثر من 150 زيارة خارجية، للأصدقاء القدامى وحلفاء جدد على حد سواء وأسواق كبيرة وصغيرة”. وقد أكد تقرير نشره المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والأبحاث، على ضرورة إقامة جسور لتعزيز أنشطة الأعمال والاستثمار مع الدول الأوروبية، مما يوفر ثقلا موازيا لروسيا ويساعد على تقويض وصول إيران إلى خارج الحدود الإقليمية وحماية دول المنطقة. وقال وزير الاقتصاد الإماراتي، سلطان بن سعيد المنصوري في ذلك الوقت، قبل أشهر من استقالة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، إنه كانت هناك خطط تجارية جديدة ولكن لم يتم تقديم أي تفاصيل سوى قول “هذه الاتفاقات تستغرق وقتا”. ويعد التعاون في مجال الدفاع مجالا آخر من مجالات التركيز التي يجب على بريطانيا أن تأخذها بعين الاعتبار في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي وقعت عليها دول بريطانية ودول أوروبية أخرى وفقا لشروط الناتو، ويجب الحفاظ عليها عند مستوى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي أو يمكن أن تتجاوز هذه النسبة أيضا. وتشير التوقعات الأولية إلى أن البريكست يمكن أن يعزز العلاقات الثنائية والتجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن النظريات التي تشير إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيتوج بتنسيق عسكري أكبر بينهما عبر مختلف ساحات القتال في الشرق الأوسط، لا تزال متضاربة. حيث يبلغ حجم متوسط التجارة بين الدولتين حوالي 200 مليار دولار سنويا. وذكر تقرير المركز البريطاني الإسرائيلي للاتصالات والأبحاث أن “30 بالمئة فقط من دبلوماسيي دول الكومنولث في الدول الناطقة بالعربية يمكنهم التحدث باللغة العربية مقابل 64 بالمئة من الدبلوماسيين الأميركيين الذين يشغلون مناصب مماثلة”، مضيفا أن زيادة الميزانية يجب أن تؤخذ في الاعتبار لتدريب الأشخاص في المناصب الدبلوماسية. كما يطرح الخيار بين تعزيز تحالفات الدول الأوروبية الإقليمية أو صياغة سياسة جديدة قادرا على التفوق على الدول العربية وتفضيلاتها التجارية. وعلى عكس الكتلة الأوروبية التي تشكل بريطانيا جزءا منها لعقود من الزمن، يتألف الشرق الأوسط من 22 دولة. وتختلف البضائع والتعريفات والمؤسسات الاقتصادية والثقافات اختلافا جذريا من دولة إلى أخرى. وتعترف الحكومة البريطانية باستحالة تصميم سياسة تجارية ذات حجم واحد يناسب الجميع، كما يشير إلى ذلك تعادل الجاذبية نحو الخليج. ودول مجلس التعاون الخليجي ليست المجموعة الوحيدة من الدول العربية التي ستستمر فيها التجارة والأعمال البريطانية. حيث نشرت وزارة التجارة الدولية بالمملكة المتحدة إرشادات لإبلاغ المصدرين البريطانيين في العراق والمنطقة الكردية بالتغييرات المحتملة، في حالة مغادرة بريطانيا دون صفقة.وبما أن وزارة التجارة البريطانية تقدم التوجيه للشركات في الداخل، إلا أنها يجب عليها أن تكسب ثقة الدول الغنية بالموارد لتأمين معاملة ملائمة في الخارج. إن التحالف القوي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هو إحدى النتائج المتوقعة، لكن يظل من غير المؤكد ما إذا كان سيمهد الطريق نحو تنسيق عسكري أوثق. وردا على التصعيد الأخير في الحرب الكلامية الأميركية الإيرانية، وفي ما يعتبره البعض خطوة يمكن التنبؤ بها، رددت بريطانيا موقف الولايات المتحدة، وذلك ما يكشفه خطاب وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت في مكتب الخارجية والكومنولث، حيث حث إيران على عدم اتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية والوفاء بالتزاماتها. وتم رفع العقوبات مقابل القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني. وقال هنت “إذا توقفت إيران عن احترام التزاماتها النووية، فستكون هناك بالطبع عواقب. وطالما تحافظ إيران على التزاماتها، فإن المملكة المتحدة ستستمر في التزاماتها كذلك”. ويعد الشرق الأوسط ساحة استثمارية مهمة ليس للمملكة المتحدة فحسب، بل بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي تتراوح ارتباطاته من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية إلى تحفيز نمو القطاع الخاص في إيران. إن سيناريو “دون صفقة” يمكن أن يجبر الاثنين على إتباع نهج سياسي مشترك تجاه المنطقة أو من الممكن أن يسرع من القدرة التنافسية غير الصحية.
مشاركة :