للوطن كفـّـتان | لمياء باعشن

  • 4/2/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

لنفترض أن لك موقفًا سياسيًا معينًا وقد عبـّـرت عنه بوضوح وأمانة، ثم أخلدت إلى النوم مطمئنًا، وأنك استيقظت في صباح اليوم التالي على وطنك وقد اتخذ إجراءات رسمية مغايرة تمامًا لما عبـّـرت عنه الليلة السابقة، فماذا ستفعل؟! هذا ما تعرض له الكاتب جمال خاشقجي في الأسبوع الماضي حين ابتدأ يومه بتغريدة على تويتر يحيي فيها شجاعة بلاده وحزمها في إنقاذ المنطقة من المدّ الصفوي ببدئها الحرب على الحوثيين في اليمن. لكن بعض التويتريين نبّشوا عن تغريدة سابقة له ينتقد فيها من يدعو إلى الجهاد ضد الحوثيين ويحبّذ التهدئة والحلّ السياسي، ثم هلّلوا بتناقضه وتذبذب مواقفه. خاشقجي وضّح بعدها سخافة هذا الاستنتاج إذ أن الزمن الفاصل بين التغريديتين هو ستة أشهر والأوضاع كلها تغيّرت خلال تلك المدة، وأن دعوة الجهاد التي عارضها تختلف جذريًا عن حرب تقودها دولة مسؤولة. أعود إلى السؤال الأول بعيدا عن خاشقجي، وليكن فعلًا موقفك السياسي السابق الذي عبرت عنه مخالفًا لما تم في الصباح، فماذا كنت ستفعل وقد فاجأك وطنك بضربة لم يحسب لها أحد حسابًا، بعاصفة حازمة لم يسبقها سحاب ولا ركام ولا نُذر؟ وربما يتعدى الأمر مجرد تغريدة، وهنا سنرفع حدّة السؤال ونقول: ماذا لو أنّك صاحب فكر سياسي عريق ملأت به كتبًا ومحاضرات شكّلت منهجًا متكاملًا يوضح هذا الموقف المخالف، هل كنت حينها ستتمسك بهذا الموقف ليقول الناس إنك مخلص لأفكارك وأنك صاحب مبدأ لا يتزحزح في كل الظروف؟ دون ترقب أو تأهب. هبت العاصفة وبكل حزم قلبت انتصارات الحوثيين إلى هزائم، وقلبت تقدمهم إلى تقهقر، وقلبت كل الحسابات والتوقعات السياسية لمشهد دولي معقد جدا خلال ساعات قليلة، فهل ستقلب موقفك وفكرك أيضًا؟ ماذا ستفعل؟ هو سؤال يضع اختياراتك على ميزان الولاء، هو سؤال يحدد لك لأي من مبادئك ستنتصر، هل ستميل إلى تعزيز موقفك الفكري السياسي، أم إلى تعزيز حسك الوطني الانتمائي؟ في اعتقادي أنك ستعلنها وبلا خجل في تغريداتك ومقالاتك ومقابلاتك وجميع تصريحاتك: أنك لا تأبه بمن يظنك متناقضًا لأنك فعلًا غيّـرت موقفك إلى حيث يقف الوطن. ستتخلى حتمًا عن آرائك وأفكارك ومبادئك بكل فخر وستصطف مع جنود بواسل تخلّوا عن دمائهم، بل عن أرواحهم، حتمًا ستقفز كالبرق من أقصى طرف إلى أقصى طرف مناقض لتعلن اختيارك مرفوع الرأس: أنا مع الوطن. هذه هي مواقفنا الحقيقية ودوافعنا الأساسية، هذه هي وطنيتنا: متشددة، متطرفة، متحيزة، لا تعرف الحياد ولا المساومة. حين نضع الوطن في إحدى كفتي ميزان الولاء، فلن يوازيها في الكفة الثانية إلا الوطن.

مشاركة :