تعديل القانون الانتخابي في تونس.. أعراض الهلع الرسمي

  • 6/15/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تعديل القانون الانتخابي في تونس.. أعراض الهلع الرسميعبدالجليل معاليتوقيت الدعوة إلى تعديل القانون الانتخابي، والتشنج الذي صاحب الجلسة البرلمانية، كلها معالم دالة على أن ما يجري في تونس، يُخرج العملية السياسية برمتها من دائرة التنافس السياسي النزيه.المنظومة السياسية الحاكمة فشلت في إبداع الحلولتحث الكتل والأحزاب السياسية في تونس خطاها نحو الاستحقاق الانتخابي، التشريعي والرئاسي، المزمع تنظيمه خلال شهري أكتوبر ونوفمبر القادمين. وفي الإسراع السياسي الأخير، معالم معارك تحفل بمفارقات لا صلة لها باهتمامات التونسيين.كان لنتائج سبر الآراء الذي أجرته شركة خاصة وأعلنَ منذ أيام قليلة، وقعا كبيرا على مختلف الفاعلين السياسيين في تونس. كشف الاستطلاع صعود تيارات سياسية جديدة، من غير التشكيلات التقليدية التي ألفها التونسيون، وخبروا فشلها وعقم أدائها. ولذلك كان صعود أسهم نبيل القروي، صاحب قناة تلفزيونية خاصة، أو قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري، أو عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر، مخيفا للفاعل السياسي وللجمهور على حد سواء.صعود هذه الأسماء والتيارات، القادمة من فضاءات سياسية جديدة، وما قدمته، أحيانا، من خطابات شعبوية، كان دالا على “إفلاس” الطبقة السياسية التونسية برمتها، لكنها كان أيضا يطرحُ أسئلة ملحة حول مستقبل البلاد التي تقبع في منطقة الأزمات منذ سنوات.المثير في الأمر أن الرد على “الصعود الشعبوي” في تونس (كما درجت بعض القراءات على توصيف صعود أسهم القروي أو سعيد) كان شعبويا، بدوره، ومرتابا ومتسرعا ومتجنيا على قواعد العمل السياسي. كان الرد السياسي على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة يستدعي شعبويته الخاصة. ومن ذلك كانت الدعوة إلى تغيير القانون الانتخابي المنظم للاستحقاق القادم.    مجرد الدعوة إلى تعديل القانون الانتخابي، بصرف النظر عن تحقق ذلك من عدمه، واجه معارضة سياسية وقانونية وحقوقية واسعة،صحيح أن أصواتا كثيرة كانت تحتج على معالم القصور في القانون الانتخابي، وكانت تطالب بتنقيحه أو بتعديله منذ إقراره. لكن تغييره اليوم في هذا التوقيت السياسي الحرج، بالمعنى السياسي قبل أشهر قليلة من الحدث الانتخابي، وبالمعنى الاقتصادي والاجتماعي الذي يندرجُ خلاله ذلك أن تخصيص جلسات برلمانية لهذا المشغل، هو دليل جديد على أن الطبقة السياسية الحاكمة في تونس، تتقنُ إدارة ظهرها للمشاغل الحياتية للتونسيين وتركز كل جهودها على مصالحها الحزبية وأقربها المفصل الانتخابي القريب.انعقدت جلسة مجلس النواب الخميس، وخصصت أغلب مراحل الجلسة للنظر في مشروع قانون تنقيح القانون الانتخابي والتصويت على فصول إضافية، أو للتصويت على إضافة فصل جديد ينص على أن لا يقبل ترشح كل شخص للانتخابات الرئاسية من المستفيدين خلال السنة الانتخابية بأعمال يمنعها التشريع المتعلق بالأحزاب السياسية التي تخص سقف جمع التبرعات والهبات والوصايا والتمويل الأجنبي والتمويل من قبل الذوات المعنوية والإشهار السياسي وتوزيع الامتيازات المالية.والكلام التقني القانوني الوارد أعلاه يمكن ترجمته سياسيا بما تسرب من الجلسة من كون النواب والكتل الذين دعوا إلى التنقيح، قدموا مقترحين للتنقيح. الأول يتصل بمنع مديري القنوات الإعلامية ورؤساء الجمعيات من الترشح للانتخابات الرئاسية، ويُقصد منه إقصاء نبيل القروي وألفة التراس (رئيسة جمعية عيش تونسي المثيرة للجدل). والمقترح الثاني يتعلق بحرمان كل من مجّد الدكتاتورية من الترشح للانتخابات ويُقصد منه إقصاء عبير موسي. وفي المقترحين اعتداء على كل القواعد السياسية المعتادة، فضلا عن كون أغلب الداعين إلى “التنقيح” لم يكونوا بمعزل عن التهمتين (الصلة بوسائل الإعلام أو تمجيد الدكتاتورية محلية كانت أو خارجية).توقيت الدعوة إلى التعديل، ومحتوى المقترحات المقدمة، والتشنج الذي صاحب الجلسة وأدى إلى تأجيل انعقادها إلى بداية الأسبوع القادم، كما ردود الأفعال الرافضة للإجراء، كلها معالم دالة على أن ما يجري في تونس، تحت قبة مجلس نواب الشعب تحديدا، يُخرج العملية السياسية برمتها من دائرة التنافس السياسي النزيه، إلى مدارات أخرى تستدرج شعبوية “رسمية” مدججة بالقوانين، وتحاول قطع الطريق على شعبوية طارئة نتجت أساسا من أداء مرتبك لحكومات المتعاقبة التي أدمنت معالجة الأورام بالمسكنات، وأدارت ظهرها للمشاغل الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.    كشف الاستطلاع صعود تيارات سياسية جديدة، من غير التشكيلات التقليدية التي ألفها التونسيون، وخبروا فشلها وعقم أدائهامجرد الدعوة إلى تعديل القانون الانتخابي، بصرف النظر عن تحقق ذلك من عدمه، واجه معارضة سياسية وقانونية وحقوقية واسعة، من منطلق أن تعديل القانون الانتخابي “لا يمكن أن يحصل في نفس السنة الانتخابية”، و”تغيير قواعد اللعبة خلال السنة الانتخابية يعتبر نوعا من التأثير والتحكم المسبق في نتيجة الانتخابات” كما أن فيه “إقصاء للخصوم من معارضة أو مستقلين وهو ما يعدّ خطرا على العملية الديمقراطية ومؤشرا واضحا لعودة الدكتاتورية”، وفق ما ورد في بيان أصدرته الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات “عتيد”.على أن الإنصاف يقتضي الإشارة إلى أن رفض التعديل الانتخابي في هذا التوقيت الدقيق، وبهذا التسرع المصحوب بالتشنج والتخبط، لا يعني أنه اصطفاف جنب تلك التيارات والشخصيات الشعبوية، التي تعرف “ازدهارا” مفهوما في دواعيه وخطيرا في مآلاته. وإنما يُرفض التعديل من منطلقات أخلاقية وسياسية ودستورية ومبدئية، تأبى اللعب بقواعد العملية السياسية التي سنها الدستور، لحسابات سياسوية ضيقة.فشلت المنظومة السياسية الحاكمة في إبداع حلول لمشاكل البلاد، وواظبت على التركيز على المشاغل الحزبية الانتخابية. أتاح ذلك صعود أسهم تيارات وشخصيات طارئة، رأى فيها قسم واسع من جمهور الناخبين قطعا مع السائد السياسي الرديء. خافت الطبقة الحاكمة من إمكانية إفلات السلطة بطرق “ديمقراطية”، وتحولها إلى فئات أخرى من خارج المنظومة ذاتها، ففكرت في ابتداع شروط جديدة لقواعد اللعبة، لكنها كانت شروطا إقصائية وتمييزية وغير دستورية.كاتب وصحافي تونسي

مشاركة :