تهتم دول العالم المتقدمة بالعامل النفسي لسكانها، وخير دليل على ذلك الدراسات الدولية التي تُجرى كل عام لقياس نسبة الأمراض النفسية الشائعة وأكثر الفئات عرضة لها وأشد المهن توترًا وأكثرها حرقًا للأعصاب في المجتمعات الغربية. ويصدر برنامج الأمم المتحدة تقريرًا سنويا يقيس مدى سعادة الشعوب وهو تقرير السعادة العالمي (WHR) (World Happiness Report) يُكتب هذا التقرير بواسطة خبراء مستقلين وللأسف جاءت نتائج تقرير السعادة العالمي هذا العام محبطة للغاية حيث احتلت مصر المرتبة 122 من إجمالي 156 دولة في الفترة التي تناولها التقرير من 2015 الي 2017 وجاءت دولة الإمارات في المرتبة 20 وقطر 32 والسعودية 33 والكويت 45 مما يعبر ذلك عن تأخر مصر ليس فقط علي المستوي العالمي ولكن علي المستوي العربي أيضًا.بالفعل هناك مجهودات للحكومة المصرية في هذا المجال وكذلك لوزارة الصحة فالأمانة العامة للصحة النفسية بالعباسية بمحافظة القاهرة تقدم برامج تأهيلية لدمج المريض النفسي في المجتمع وتسعى لإزالة الوصم عنه ومع احترامي الشديد لهذه المجهودات إلا أن هناك العديد من القضايا النفسية التي لا بد أن تتكاتف كل من الجهات الحكومية ووسائل الإعلام لحلها ونشر الوعي بها.وعلي المستويات الشخصية يهتم أغلب من يحيطنا بما نظهره ويطلقون الأحكام علينا وأحيانا يسيئون الظن بنا والتصرف إلينا، فهم ينسون أن الحالة النفسية عاملًا مهمًا في خلق مرآة تعكس سلوكياتنا والتي تنتج عنها سعادتنا وأيضا تعاستنا.أدرك طلاب كليات الإعلام بجامعات مصر هذة القضية منذ 4 سنوات وبدأت مجموعاتهم تدشن مشروعات تخرج تناقش أو تتطرق لتتناول الجانب النفسي وذلك بعد إدراكهم مدى تأثر المجتمع ببعض المعتقدات والمفاهيم الخاطئة حول المرض النفسي والصحة النفسية وأخرهم مشروع "مجلة نفسولوجي" التي أصدرها أربعة عشر طالبًا من طلاب قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة بني سويف هذا العام وهي مجلة متخصصة في الصحة النفسية .لن ننكر مجهودات مشاريع تخرج أقسام الإعلام بجامعات مصر في هذا المجال، ففي مايو عام 2015 أصدر طلاب قسم الإذاعة والتليفزيون بكليتنا الأم كلية الإعلام جامعة القاهرة فيلمًا يناقش نظرة المجتمع للمريض النفسي بعنوان "سرايا عاقلين"، والعام الماضي وبالتحديد في شهر مايو عام 2018 دشن مجموعة من طلاب الفرقة الرابعة شعبة العلاقات العامة والإعلان بكلية الآداب جامعة حلوان حملة كمشروع تخرج للحفاظ على الصحة النفسية بعنوان "فك العقدة"، كما أُطلقت في نفس التوقيت مجلة طلابية عامة تدعم في أحد أبوابها المرضى النفسيين بعنوان "عنبر ج" وهي مشروع تخرج لمجموعة من طلاب شعبة الصحافة بقسم الإعلام وعلوم الاتصال، كلية الآداب جامعة عين شمس. نحن أمام ثلاثة مشاريع تخرج تم إطلاقهم بالفعل والرابع سيتم مناقشته غدًا الثلاثاء 18 من يونيو 2019 بجامعة بني سويف ، تناول فيلم "سرايا عاقلين" قصص مرضى فقدوا عمرهم بين جدران مستشفى العباسية بسبب عدم تقبُّل الشارع لهم مع إنهم تماثلوا الشفاء لكن فكرة تواجدهم داخل أسوار المستشفى تجعل المجتمع يرفض التعامل معهم حتى من أقاربهم" وأطلقت مجلة "عنبر ج" حملة بعنوان "المرض النفسي مش وصمة عار"، بينما صب اهتمام "فك العقدة" علي توعية الشباب بالحفاظ على صحتهم النفسية وأهميتها من أجل ضرورة تعزيز نظرة أفراد المجتمع للمريض النفسي واستيعابه.وجاءت "نفسولوجي" -والتي تشرفت بكوني مشرفا مشاركًا لها- هذا العام لتقدم مضمونًا صحفيًا مختلفًا، مضمونًا يمس المجتمع من جميع فئاته فهي مجلة شهرية متخصصة فى الصحة النفسية تستهدف الجمهور العام وتتكون من 9 ابواب متنوعه وهي : (ازى الحال ، عقدة وحل، سحابة وهتعدى، سيكاترى، نفسى دوت كوم، سيكوميديا، افهمها صح، لون حياتك، فلاش باك ).تحدثت أبواب المجلة عن علاقة المرض النفسي بالتنشئة الاجتماعية، ونظرة المجتمع للمريض النفسي وقضى الطلاب يومًا كاملًا بداخل جدران مستشفى العباسية ورصدوا سبع تجارب للمرضى النفسيين.وعن صورة الأطباء والمرضى النفسيين في الدراما جاءت التقارير والحوارات الصحفية المتعمقة لتبرز لنا الصورة النمطية المعروضة لهذه الفئات المجتمعية. كما تطرقت المجلة إلى رأي الدين في توابع المرض النفسي، ولن تترك أبواب المجله الجانب التاريخي فالتفت الطلاب إلي أسرار الطب النفسي لدى الفراعنه، كما تناولت الطرق المختلفة للعلاج النفسي، والفرق بين العلاج بالذهاب إلي عيادات الأطباء النفسيين والعلاج عن طريق الإنترنت " الأون لاين ".وسجلت أقلام الصحفيين الصغار الذين ليسوا بصغار المعاناة التي يعانيها مرضى الجذام والحروق ومتحدى الإعاقة وكذلك أيضًا قصص كفاحهم وتفوقهم في بعض المجالات.لن أدعى علي طلابنا الكمال ولكنني أجدهم قد ألموا بالعديد من التخصصات الدقيقة والموضوعات المرتبطة والمتشابكة بالمجال النفسي والتي بالفعل نتجاهلها في هذا المجتمع، ويتم تهميشها في وسائل الإعلام بل ويتم تقديمها بصورة نمطية وبلقطات سريعة.أدعو الجميع لقراءة "نفسولوجي" فهي تعكس الصورة الأخري لذاتنا البشرية وتفتش عن الامراض النفسية التي يمكن ان تخترقنا دون علمنا.أتمني لطلابنا النجاح والتفوق في حياتهم العملية، كما أتنبأ لهم بمستقبل باهر لكنني أدعو الجهات الحكومية أن تتكاتف مع تلك المجهودات الناشئة الصاعدة التي يمكن بطاقتها الحماسية تغيير المجتمع ورفعه لمكانه أفضل.
مشاركة :