كثفنا مشاركتنا في العمل المتعلق بالإنفاق الاجتماعي على مستوى البلدان الأعضاء. فعلى سبيل المثال، ساعدنا غانا على إيجاد الحيز المالي اللازم لزيادة الإنفاق على التعليم العام – حتى تتمكن من تحقيق هدفها بتعميم التعليم الثانوي. وساعدنا اليابان على بلورة خيارات لإصلاح نظام التقاعد، وهو أمر ضروري للغاية في مجتمع يشهد زيادة في شيخوخة السكان. وفي قبرص، ساعدنا الحكومة على تقوية شبكة الأمان الاجتماعي وقت تعرضها لأزمة حادة – وهو ما تضمن استحداث برنامج جديد يضمن حدا أدنى للدخل. وبالمثل، في جامايكا، دعمنا التوسع في برامج المساعدة الاجتماعية في فترة شد الأحزمة. وفي جميع برامجنا، تشكل حماية الفقراء ومحدودي الدخل هدفا رئيسا في الوقت الراهن، وستظل هدفا رئيسا فيما بعد. وفي الوقت نفسه، نقدم المساعدة الفنية للبلدان الأعضاء حتى تتمكن من تعبئة مزيد من الإيرادات المحلية – علما أن حجم الدعم في هذا المجال ارتفع إلى الضعف تقريبا في الفترة بين عامي 2010 و2018. وقد وضعنا تقديراتنا للإنفاق الإضافي اللازم لتمويل أهداف التنمية المستدامة الرئيسة – الصحة والتعليم والبنية التحتية ذات الأولوية – فوجدنا أنه يتطلب زيادة قدرها 15 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط بالنسبة للبلدان النامية منخفضة الدخل في عام 2030. من الواضح إذن أن الإنفاق الاجتماعي ليس مجرد بند من بنود المصروفات، إنما هو الطريقة الأكثر حكمة للاستثمار في رفاهية مجتمعاتنا. فالتوسع في إتاحة التعليم والرعاية الصحية يوسع نطاق مكاسب الإنتاجية لتشمل الفئات السكانية المختلفة، ما يتيح الازدهار لكل المواطنين. ولجني ثمار اقتصاد عالمي أقوى في المستقبل، يجب أن نبدأ بتقوية البرامج الاجتماعية اليوم. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكننا القيام بدور بانجلوس1. ففي عالم الواقع، تصطدم أصدق النيات بأشد قيود الميزانية. إذن كيف نتحرك إلى الأمام؟ يجب أن ننطلق من افتراض أن الإنفاق الاجتماعي ينبغي أن يكون كافيا، مع ضرورة أن يكون كفؤا وممولا على أساس مستدام في الوقت نفسه. كفاية الإنفاق، وكفاءة الإنفاق، واستدامة المالية العامة - هذه هي المعايير التي سنستخدمها في تقييم مدى تأثير الإنفاق الاجتماعي في الاقتصاد الكلي. ونتوقع أن تؤدي هذه الاستراتيجية الجديدة إلى زيادة فعالية مشاركة الصندوق في قضايا الإنفاق الاجتماعي، وتعزيز الجودة والاتساق في مشورتنا بشأن السياسات. فهي تجمع أفضل الممارسات المستخلصة من سنوات المشاركة في قضايا الإنفاق الاجتماعي، وترسم خريطة طريق واضحة لتطبيق هذه الممارسات بصورة متسقة على مشاركتنا في هذا الصدد. وعلى مدار العام ونصف العام القادمين، سنضع تفاصيل هذه الاستراتيجية عن طريق تقديم إرشادات أكثر تحديدا لخبرائنا ترتكز على مجموعة معززة من الأدوات وقواعد البيانات، والعمل البحثي المتواصل، والمذكرات المرجعية عن قضايا مثل معاشات التقاعد والمساعدات الاجتماعية والتعليم والصحة. وينبغي أن تضمن استراتيجيتنا تحقيق اتساق أكبر في مشاركاتنا مع البلدان الأعضاء، وزيادة فعالية هذه المشاركة على النحو المأمول، مع تصميمها على نحو أنسب لتفضيلات كل بلد عضو وما يمر به من ظروف. غير أن تحسين الأداء يتطلب بعض المساعدة من أصدقائنا، وهو ما يقودني إلى نقطتي الأخيرة اليوم: فنحن في حاجة إلى "شراكة من أجل النجاح"، وهي ركيزة أساسية تقوم عليها استراتيجيتنا. ويعني ذلك أن نعمل كلنا معا – المنظمات الدولية، والدوائر الأكاديمية، والسلطات الوطنية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص. ولهذا أجرينا عملية تشاورية واسعة النطاق عندما كنا بصدد وضع الاستراتيجية. وأعتقد أنها استفادت كثيرا من هذه الجهود المشتركة، وهنا أقدم الشكر الجزيل لمنظمة العمل الدولية. وأوضحت هذه التجربة بجلاء أن المشاركة الوثيقة بين صندوق النقد الدولي ومنظمات مثل منظمة العمل الدولية يمكن أن تكون بالغة القيمة. أنتم تتمتعون بخبرة كبيرة في مجال الإنفاق الاجتماعي يمكن أن تساعد فرق العمل في صندوق النقد الدولي. ونحن يمكننا المساعدة من خلال تسليط الضوء على قضايا الإنفاق الاجتماعي في حوار السياسات الاقتصادية الموسع بشأن الاستقرار والنمو. ويمكن أن نستفيد أيضا من توثيق التعاون مع الأطراف المعنية الأخرى. فالمجتمع المدني والدوائر الأكاديمية ومستودعات الفكر واتحادات العمال تطرح جميعا منظورات فريدة للإنفاق الاجتماعي – وهي منظورات من شأنها إثراء رؤية الصندوق، ومساعدتنا على مقاومة الانسياق للتفكير الجمعي، وتمكيننا من تقدير الظروف القطرية الخاصة بصورة أفضل. وبطبيعة الحال، لا يوجد حل واحد يناسب الجميع عندما يتعلق الأمر بتصميم برامج الإنفاق الاجتماعي للحد من الفقر وتعزيز الإدماج وحماية الأسر الضعيفة. فكل بلد له تفضيلاته المختلفة، ويواجه تحدياته المختلفة، ولديه تطلعات مختلفة على المدى البعيد. ولكن العمل المشترك يمكننا من طرح الأسئلة الصحيحة، والتوصل إلى الإجابات الصحيحة على ما نرجو. وفي نهاية المطاف، علينا التزام تجاه الفقراء والضعفاء؛ تجاه من يفتقرون إلى الأمن المالي ويرزحون تحت وطأة المرض؛ من تركوا وراء الركب ولا يجدون من الفرص سوى القليل، بما في ذلك النساء والفتيات؛ وتجاه الأجيال المقبلة. وعلينا التزام بمساعدة البلدان على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول 2030. وكما قال فرانكلين روزفلت بحكمته المعهودة – وهو صديق عظيم لمنظمة العمل الدولية وداعم كبير لها – "إن معيار تقدمنا لا يكمن فيما إذا كنا قد أضفنا إلى الوفرة التي يملكها المقتدرون، بل ما إذا كنا نوفر ما يكفي لمن لا يملكون إلا النزر اليسير". وهذا القول ليس صحيحا من وجهة النظر الأخلاقية وحسب، إنما هو سليم أيضا من المنظور الاقتصادي. فلنعمل معا، إذن، لبلورة سياسات للإنفاق الاجتماعي تجمع بين الذكاء والرحمة
مشاركة :