يوسف أبو لوز للفلسطينيين أقارب كثر في العالم، وما أجمل قُرْبى الشعر، فإذا كنت في تشيلي أو في إسبانيا، أو في بوليفيا أو في أمريكا اللّاتينية أو في أي مكان آخر في العالم يبدو لك بعيداً جداً عن القدس أو يافا أو بيت لحم، فتذكّر دائماً أن الرياح قد تكون حملت معها بعض بذور الزعتر والخبّيزة والميرميّة، وألقتها في السهب والحقول البعيدة تماماً عن مرج بن عامر أو البعيدة عن الأرض الحمراء التي تشبه أكباد الطيور في رام الله أو الخليل أو نابلس. الأستاذة عائشة صالح لها الفضل في تعريفنا إلى أقاربنا الذين يكتبون باللغة الإسبانية لكن أصولهم فلسطينية. إنهم شعراء وأساتذة جامعات محترمون. هاجر آباؤهم، بل أجدادهم في النصف الأول من القرن العشرين إلى بلدان تتكلم الإسبانية. أمّا لماذا الإسبانية؟ فربما لأن الفلسطيني بغريزته أو بفطرته يجنح إلى اللغة التي يتردد صداها مع صدى الأندلس الذي يسمّيه الشعراء «الفردوس المفقود»، ولكن، ويا للمفارقة، فبما أنه مفقود، فإنه لم يعد فردوساً. بلا استطرادات أخرى هناك شعراء في العالم من أصول فلسطينية، إسبان، أمريكان، آسيويون، أوروبيون.. إلى آخره، بعدد الشعراء الفلسطينيين في فلسطين نفسها التي يكثر فيها الشعراء والشهداء، كما يكثر الزيت والزيتون والزعتر ليس في فلسطين وحدها، بل في تلك الفراديس (الإسبانية) المفقودة.. وهؤلاء أقاربنا، ولم نكن نعرف أنهم يتحدثون الإسبانية أو الإنجليزية باللهجة الشعبية الفلّاحية الفلسطينية حتى لو كانوا يعرفون العربية. تعرّفنا الأستاذة عائشة صالح بالشاعر التشيلي من أصول فلسطينية تيودور السقّا، ومن خلال الاسم نفسه تستطيع تصوّر كيف ينقسم الفلسطيني لغوياً إلى تيودور، وفي الوقت نفسه إلى السقا. مثل هذا الانقسام اللغوي نجده أيضاً في اسم الشاعر التشيلي الآخر من أصول فلسطينية ماتياس سليمان، أمّا الشاعر البوليفي إدواردو ميتري، من أصول فلسطينية أيضاً، فهو كما قال الشاعر والمترجم المغربي خالد الريسوني «كان لزاماً عليه أن يحتضن ميراث وتوجيهات أبيه المهاجر الفلسطيني وأن يتبعها، ويتخذها مصدراً لإلهامه الأدبي». يقول خالد الريسوني في المادة التي نقلها إلى العربية عن عائلة هذا الشاعر البوليفي من أصول فلسطينية «بَنَوا بيتاً في شارع فنزويلا حجراً على حجر، ولبنةً لبنةً، أي طوبة طوبة، يقال إنهّم حاولوا بناء بيت على صورة البيت الذي كانوا قد تركوه وراءهم في فلسطين». لا يحمل الفلسطيني صورة بيته معه إذا ذهب إلى بوليفيا أو تشيلي أو إلى الفردوس المفقود، بل يحمل معه أيضاً لهجته الشعبية الفلّاحية، وعندما يبتعد أكثر عن بلاده، ويقال له مثلاً: إسباني من أصول فلسطينية، فإنه يحتفظ بهذه الأصول على شكل اسم مركب من مقطعين: الأول هو الصورة، والثاني هو الأصل. yabolouz@gmail.com
مشاركة :