بعيدا عن حسابات الرئيس الأمريكي ترامب التي حكمت موقفه في الفترة الماضية من ايران.. الذي يتأمل تصريحاته ومواقفه التي عبر عنها علنا في ذروة الأزمة الأخيرة فيما يتعلق بايران وأوضاع المنطقة عموما، سوف يجد ان هناك أمورا كثيرة يجب أن تدعو دول الخليج العربية الى القلق، ولا يجوز أن تمر هكذا دون التوقف عندها. تحديدا، يجب التوقف عند المواقف التالية التي عبر عنها ترامب: أولا: في أعقاب الهجوم على ناقلات النفط، وما اذا كان على امريكا ان ترد على الهجوم، قال ترامب ان الخليج لم يعد مهما كثيرا بالنسبة الى أمريكا من حيث أهميته النفطية، وحاجة أمريكا الى النفط كما هي حاجة دول أخرى. ترامب قال هذا ليصل الى نتيجة مؤداها ان أمريكا لا يمكن ان تخوض حربا مع ايران من اجل النفط، وان الحالة الوحيدة التي يمكن ان يفعل فيها ذلك هي قضية امتلاك السلاح النووي. وعاد ترامب ليقول بالأمس ان أمريكا ليست مسؤولة عن حماية الملاحة وإمدادات النفط في الخليج، وانما دول اخرى هي التي يجب ان تفعل هذا، وان الجيش الأمريكي في الحقيقة لا يجب ان يكون موجودا في المنطقة. ثانيا: من الملفت جدا، كما بات الكل يعلم، انه حتى عندما قامت ايران بإسقاط الطائرة الأمريكية، فإن ترامب تعمد التقليل من شأن ما فعلته. ليس هذا فحسب، بل راح يتودد الى ايران، ويعبر عن تكالبه على الحوار والتفاوض معها للوصول الى اتفاق نووي جديد، وكيف انه سيكون حينئذ أفضل صديق للايرانيين، وستعود ايران عظيمة.. وهكذا. ثالثا: أيضا في الفترة الماضية، كان ترامب حريصا اكثر من مرة على ان يؤكد انه لا يريد سقوط النظام الايراني، وان ايران يمكن ان تزدهر وتصبح عظيمة في ظل هذا النظام. ما الذي يدعو إلى القلق في هذا الذي قاله ترامب؟ حين يعتبر ترامب ان الخليج لم يعد مهمّا كثيرا لأمريكا، فليس لهذا معنى سوى ان هناك حدودا معينة لما هو مستعد أن يفعله او يذهب اليه في مواجهة ايران والخطر الداهم الذي تمثله على دول الخليج العربية. وهو قال هذا صراحة على أي حال، وانه لن يحارب من أجل المنطقة. ولنلاحظ ان ترامب في كل تصريحاته التي تحدث فيها عن سعيه للتفاوض مع ايران للوصول الى اتفاق جديد، فانه جعل الأمر مقصورا على السلاح النووي فقط.. اي أن الذي يريده تحديدا هو اتفاق نووي جديد. وفي أقصى الحالات، يشير مسؤولون امريكيون الى احتمال ان يشمل أي اتفاق موضوع الصواريخ الإيرانية. لم يحدث ان تطرق ترامب او المسؤولون الأمريكيون الآخرون في حديثهم عن المفاوضات والاتفاق الذي يريدونه الى الارهاب الذي تمارسه ايران وعملاؤها في الدول العربية والدور التخريبي الذي تلعبه، كإحدى القضايا التي يجب ان تكون مطروحة في المفاوضات ويشملها الاتفاق. حقيقة الأمر ان الالحاح الأمريكي على اتفاق من اجل منع ايران من امتلاك سلاح نووي فقط بسبب ان هذا هو المطلب الأساسي للكيان الإسرائيلي الذي يعتبر هذا السلاح خطرا شديدا يتهدده. وحين يقول ترامب انه لن يحارب ايران الا من اجل السلاح النووي، فمعنى هذا انه مستعد لمحاربة ايران من اجل الكيان الاسرائيلي فقط. قد يقول البعض ان المسؤولين الأمريكيين يتحدثون باستمرار عن دور ايران الإرهابي في المنطقة وضرورة انتهائه كأحد أركان السياسة الأمريكية.. هذا صحيح. لكن في النهاية، هذه هي القناعات الأساسية لدى الرئيس ترامب، وهو الذي يتخذ القرار النهائي في كل الأحوال. نقول كل هذا كي نصل الى نتيجة لطالما ألححنا عليها منذ سنوات.. امريكا لن تحارب معركتنا مع ايران، ولن تقضي هي نهائيا على خطر ايران ووجودها الارهابي في المنطقة. هذه مهمتنا نحن التي يجب ان نعرف كيف نقوم بها اعتمادا على القوة العربية في المقام الأول.
مشاركة :