تتراشق أحزاب السلطة في العراق في ما بينها بالاتهامات والشتائم وتنهش بعضها بعضا، وبدأت بعض الكتل تلوّح بالمعارضة والحرب أولها كلام. ولما كانت إدارة هذه الأحزاب جميعا بيد إيران فهل نستطيع القول إن ولاية الفقيه وسط ما يحيط بها من تهديدات أميركية، بدأت تنقسم على نفسها؟ النائب عن تيار الحكمة علي البديري أعلن الأسبوع الماضي قرب ظهور ملامح أولية لتشكيل كتلة برلمانية معارضة ستكون الأكبر نيابيا، مؤكدا أن هذه “الكتلة لا تريد إسقاط الحكومة ولا تستهدف شخوصا لذاتهم، وأن الذهاب إلى المعارضة السياسية هو خطوة مهمة لتصويب العملية السياسية والديمقراطية في العراق حيث ستمثل حافزا للأطراف المترددة على الساحة لحسم موقفها”. وعلق ائتلاف النصر، بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، على إعلان تيار الحكمة الوطني، بزعامة عمار الحكيم، المعارضة السياسية، على لسان القيادي في الائتلاف علي السنيد، أن ائتلافه يرحب “بخيار تيار الحكمة، واعتباره قوة لموقفنا بتبني المعارضة التقويمية للحكومة، أي قبل إعلان الحكمة بثلاثة أيام، خصوصا وأن المعارضة تحتاج إلى جبهة سياسية عريضة ومسؤولة وفاعلة وضاغطة باتجاه التصحيح”. السنيد اعتبر أن الموالاة والمعارضة وشدتهما أو ضعفهما متصلة بإصلاح أداء وفعل الحكومة، فدعم الحكومة أو معارضتها ليس هدفا بذاته، بل الإصلاح والأداء الأمثل والاستجابة للتحديات هي الأهداف، وكل عمل يؤدي إلى أداء أمثل للحكومة تجاه الشعب والدولة هو الهدف، من هنا استخدمنا مصطلح “المعارضة التقويمية” للحكومة. إنَّ التقويم يعني التعديل وإصلاح ما اعوج. المفارقة أن السنيد يتحدث عن الإصلاح والتقويم والأداء الأمثل للحكومة ومكافحة الفاسدين، ثم يصف ائتلاف النصر بأنه “مشروع دولة ناجحة وليس مشروع سلطة مغامرة يستهدف الوصول إليها بأي ثمن”، ثم يصف زعيم الائتلاف حيدر العبادي بأنه “رجل دولة همّه الإصلاح وليس رجل سلطة يترقب الفرصة للوثوب على السلطة”، ويتناسى أن زعيم الائتلاف ظلّ يهدد بالضرب بيد من حديد على الفاسدين ويعد بالإصلاح طوال ولايته، التي استمرت أربع سنوات، ثم لم يحقق إصلاحا ولا أبرز يدا حتى من خشب لضرب الفاسدين، كما يتندر العراقيون. في بيان آخر حذّر السنيد من أن أحزابا تريد السيطرة على ملف الدرجات الخاصة، من أجل إنشاء دولة عميقة جديدة، تكون أعمق من الدولة العميقة، الحالية، محذرا من هذه الخطوات، “فلا يمكن جعل مؤسسات الدولة ومصالح المواطنين بيد جهات سياسية متنفذة”. بينما اتهم النائب كاظم الصيادي تحالف سائرون بأن لديه طمع بالوزارات والمعارضة، مؤكدا أن “تحالف سائرون يميل إلى المعارضة لأنها وجبة دسمة لترضية جمهوره”، مبينا أن “أموال الصحة والتموين والكهرباء والتعليم موجودة لكنها تذهب في بطون الفساد”. والواقع، أن هذه الأحزاب، عندما جاءت خلف دبابات الغزو الأميركي للعراق، لم تكن ناضجة ولم تمتلك تجربة في بناء الدولة، ولا حتى تصورا عن ذلك، ووجدت نفسها أمام ثلاث مهمات أصغرها أكبر منها بكثير، وهي وضع الأسس لنظام سياسي جديد في البلاد، وإعادة إعمار العراق وبناء البُنى التحتية المتهالكة أو التي دمرتها الحرب بما يلحقه من بناء أسس رصينة لاقتصاد البلد وإعادة صياغة النظام الاجتماعي بما يتلاءم مع متطلّبات النظام التعدّدي السياسي وما يتبعه من تركيز على احترام دولة القانون. ولذلك فإن إجراءاتها وقراراتها جميعا أفضت إلى إشاعة الخراب في كل جانب، وأتاحت للفساد أن يعشش في المفاصل جميعها، إذ لجأت إلى تقوية النظام العشائري الذي لا يتلاءم مع التجربة الديمقراطية، بدلاً من تقوية النظام الاجتماعي، ولاذت بالخارج طاردة ومشردة العقول العراقية، وعرقلت بناء النظام الاقتصادي ليتاح لها النهب الواسع لثروات البلاد. إن ما يجري في العراق حرب لصوص واشتباك خنادق الأحزاب، كما يقول العراقيون وكما يتبين من تصريحات البرلمانيين، فقد أخذ كل حزب يفضح الحزب الآخر، الإخوة الأعداء، الوكلاء، مما يبشر بأن ولاية الفقيه بدأت تنقسم على نفسها نتيجة الظروف الجديدة التي خلقها التوتر المتصاعد بين أميركا وإيران. أولى علامات الحرب الكلام وتبادل الشتائم والتحديات المتبادلة وتليها مرحلة نشر الغسيل، ثم مرحلة تجهيز الحملات الإعلامية، وما بين هذه الاختناقات ستجري مفاوضات “التسوية”: ليّ الأذرع والابتزاز، المقاعد البرلمانية والكراسي الوزارية، فالحرب أولها الكلام ثم ينهمر الرصاص. الاغتيالات التي أطلت برأسها من جديد في العراق هي رسائل قد تكون يومية، وقد تتصاعد في موسم الانتخابات والترشيح الوزاري ويجري الاشتباك في ساحة العقود والعمولات، ومن الاغتيالات الفردية إلى حرائق الأسواق الكبرى والأراضي الزراعية يعدّ كل حزب العدّة للواقعة الكبرى وكلها توسع مساحة الخراب والفساد. هي حرب وقودها الشعب وضحاياها المواطنون، وقد تكون هي ما تنبأ به بعض المحللين أن العراق مقدم على حرب شيعية-شيعية.
مشاركة :